محمد شريف أبو ميسم ||
لا يمكن النظر في نتائج الانتخابات بمعزل عن الارادات الدولية والاقليمية، لأن المتغير في الشرق الأوسط - والعراق تحديدا - تديره وتتحكم به المؤسسات الصهيوأمريكية، وهذا ما سنحاول اثباته في هذا المقال.
فلو تعقبنا معطيات الأحداث والخيبات والمكابدات والتعويق والفشل الذي أصاب بلدنا، وأزحنا عنها غطاء المسببات الظاهرة التي حملت ملامح الطائفية والفئوية والمحاصصة والفساد واللامبالاة والأنانية بوصفها أدوات لتكريس الدولة الفاشلة، ثم فحصنا بواطنها لوجدنا ان ما من معطى وما من حدث لم تكن مفاتيحه بيد مؤسسات العولمة التي تديرها أموال الشركات الصهيوأمريكية التي وظفت "نظرية الصدمة" لتدجين العقل الجمعي في المجتمعات التي يراد انتقالها من اقتصاد شمولي الى اقتصاد ليبرالي، والتي وضعها الاقتصادي "ميلتون فريدمان"، اذ يستهدف الوعي وتشاع الفوضى بهدف القبول في نهاية المطاف بالحلول الخارجية الجاهزة واحلال سلطة رأس المال الأجنبي محل سلطة الدولة بدعوى الليبرالية وتحت مظلة العولمة.
ومن هذا المنطلق المفروغ من واقعيته، وبحكم عملنا في مراقبة معطيات الاقتصاد السياسي، اكتشفنا ان استهداف الوعي العراقي في هذا المشروع، لا يقتصر على تطبيقات نظرية الصدمة، وانما يمتد ليصب في صالح المشروع الصهيوني القائم على الوعد الابراهيمي المزعوم تحت يافطة الماسونية (من الماء الى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى) والمتماهي مع المشروع الأمريكي بشأن العالم الجديد الذي تنطلق فيه الليبرالية بحلتها الجديدة بما يمهد لشيوع سلطة رأس المال في المنطقة والعالم، ويتصدى للتمدد الصيني والروسي في المنطقة، ما يعني ان استهداف الوعي هو الأداة الأهم التي ستنتهي بالبلاد الى النهاية التي انتهت اليها حضارة الهنود الحمر في أرض العالم الجديد لصالح المهاجرين البروتستانت الذين أسسوا كيان "الولايات المتحدة" في العام 1776على رفاة شعب كان تعداده من 40 الى 50 مليون نسمة في زمن اكتشاف "كولمبس" لتلك الأرض، فيما لا يشكل الهنود الحمر اليوم أكثر من 1.5 بالمئة من تعداد سكان الولايات المتحدة البالغ 325 مليون نسمة.
وبناء على هذا، وعلى ما أنفقته الدوائر الصهيوأمريكية على مشروعها في العراق والشرق الأوسط والبالغ نحو سبعة ترليونات دولار "بحسب خمسة تصريحات للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب" فإن التأسيس وبلا أدنى شك، يراد به مصادرة الأرض على المدى البعيد، تحت مظلة العولمة وليبرالية السوق التي ستضع سلطة رأس المال الأجنبي محل سلطة الدولة وتؤسس لتغيير ديموغرافي بدعوى حرية انتقال الأيدي العاملة وايقاف تكاثر السكان الأصليين عبر أدوات متعددة ومختلفة على المدى البعيد أيضا، اذ ان هذه الأرض كانت وما زالت محل اهتمام من قبل اليمين الاسرائيلي المتطرف بوصفها "أرض الميعاد" فضلا عن سعي رعاة البقر المتواصل للهيمنة عليها لأنها عند ملتقى ثلاث قارات ويخرج منها آخر برميل نفط والسيطرة عليها يعني السيطرة على العالم. بمعنى ان قراءتنا في نتائج الانتخابات لم تكن ضربا من التنجيم.
ففي تشرين الثاني 2019 وقبل استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كان لنا في جريدة الصباح مقال حمل عنوان "عفوية الحراك وصراع الإرادات" أوردنا فيه (إنّ الأرجح ان يكون السعي باتجاه انتخابات مبكرة لا علم ولا سيطرة للعراقيين بآليتها الالكترونية المعتمدة في العد والفرز، سينتج عنها انقلاب في المعادلة السياسية، وحينها سيكون الرد جاهزا على كلّ من يعترض على نتائج الانتخابات.. آنذاك ستفرز الانتخابات أغلبية برلمانية تتماهى مع الارادة الدولية الداعمة لها، ليكون صراعها بالوكالة مع الارادة الاقليمية على حساب مستقبل البلاد). وفي 6 تشرين الأول الماضي كان لنا مقال آخر حمل عنوان "ثمة متغير قادم" أنقل منه الآتي (ستكون نتائج الانتخابات بعد تكتيك الانسحابات والدعوة للمقاطعة وتكريس حالة اليأس واللاجدوى منها لصالح الارادة الأمريكية التي تسيطر على ادارة السيرفات والتحكم بأرقام العد والفرز، وهذه الارادة التي تحكمت بكل خيوط اللعبة في العراق منذ الاحتلال، عدّت العدّة للاطاحة بالأحزاب الدينية عبر هذه الأدوات لصالح من ركب موجة التظاهرات وانتفع منها على حساب رغبة الناس في الخلاص). وفي نهاية المقال ورد الآتي (ان نتائج الانتخابات سيتصدرها تيار سياسي شيعي سيسعى الى حل الحشد الشعبي، مع استحواذ القوى التي حملت مسميات تظاهرات تشرين مع القوى السنية والأكراد على الأغلبية، وهزيمة الأحزاب الرافضة للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وعلى المتضرر اللجوء الى القضاء). نعم لأن الانتخابات كانت وبامتياز شأنا دوليا في سياق ستراتيجية الهيمنة، وكان الوعي هو المستهدف بتزوير الانتخابات، لأنه هو المتصدي للمشروع الصهيوأمريكي.
https://telegram.me/buratha