عمار الجادر ||
تشکل دراسة التاریخ الوسیط تحدیًا كبيرا للمعنيين به وللمهتمين والمتلقين على حد سواء، يكمن هذا التدي في نقطة جوهرية، هي أن ما يجب أن يدون ليس كل ما هو معروف، فالتاریخ کله هو تاریخ معاصر، سواء في تناوله كخطاب ثقافي أم کتابته كتخصص علمي، لذلك تأثّرت دراسة التاریخ الوسیط، بل ومختلف الحقب التاریخیة، بالأوضاع السیاسیة والدینیة والثقافية التي سادت في المجال العام العراقي، بحساسية الموضوع وبصعوبة مادته لإكتنافها على ما لا يجب ان يقال وهو الذي يقوض ما يقوله المدون..
المجتمع العراقي مجتمع ذاكرة، فهو يؤسس لهویته بحسب ما تملي علیه ذاكراتها الجمعیة في تمظهرها الثقافي، والعراق مجموعات مكوناتية يجب أن تحافظ كل مجموعة منها على ماضيها من منطلق خصوصيتها وحرصها على الاستمرار في إطارها الجیوسياسي.
وبسبب تداخل الجماعات وتصارعها السیاسي مع بعضها، تركز كل منها في رسم صورها الذاتية علی الفروق التي تمیزها عن الجماعات الأخری – كتمییز الكُردي عن العربي، والشیعي عن السني، والایزدي عن المسلم، وهكذا – بعد أن همّش التاريخ الذي كُتب في ظل الحكم البعثي وإیدولوجیته طبيعة المجتمع العراقي في تنوعها فكان من الصعب بناء ذاكرة تاريخية وطنية..
لذلك تتأخر عملية تدوين الذاكرة للقوى السياسية العراقية، فثمة أسرار عظيمة مسكوت عنها الى الأبد، لكن يبقى تدوين الجزء الظاهر من جبل الجليد أمرا ضروريا، لا سيما ان تدوين الجزء الظاهر يكشف بشكل أو بآخر عن الجزء الغاطس من الذاكرة.
إبتداءا ثمة حقيقة يجب أن نتفق عليها لأنها حقيقة واقعة لا يمكن القفز عليها، وهي أن تاريخ المجلس، سواء كان (المجلس ألاعلى للثورة ألإسلامية في العراق) لأكثر من عشرين عاما قبل زوال نظام الطغيان البعثي، أو (المجلس إلإسلامي الأعلى) لسنوات ما بعد 2003 ألأعلى الإسلامي العراقي، يستغرق معظم تاريخ القوى الإسلامية، وهو على وجه الخصوص، يمثل معظم الجزء الظاهر من تاريخ منظمة بدر منذ تأسيسها لغاية إنفصال المنظمة عن المجلس الأعلى فيآذار 2012، وهو يمثل أيضا معظم تاريخ الحركات الإسلامية المكونة للمجلس الأعلى في أيام معارضة نظام صدام.
ثمة نقطة جديرة بالإهتمام، وهي أن المجلس الأعلى وهو يبلع الأربعين من عمره، لم يشأن ان يحتفل بذمرى التأسيس عن نحو تقليدي كما هو معتاد، بإحتفال رسمي تحضره قيادات الدولة وقيادات الأحزاب السياسية وأعضاء المجلس ألعلى ومؤيديه، بطقس إحتفالي يستثمر لأغراض إنتخابية (ونحن في موسمها)، وكان يمكن أن توظف هذه المناسبة توظيفا إنتخابيا على أوسع نطاق.
إن تدوين الذاكرة لا يعني إعادة تشکيل لها، فالتدوين يعني الصدق بكل إيجابياته وسلبياته، وهي مهمة شاقة جدا، لا يمكن أن ينهض بها إلا من يمتلكون خزينا نشطا لم تأكل منت السنون وآثارها.
إن ذاكرة المجلس الأعلى هي بالحقيقة ذاكرة العراق في زمن الصراع مع نظام شمولي، وهي ذاكرة الأنتقالات المفصلية في حياة شعبنا، وبالحقيقة لا يمكن فصل ذاكرة العراق عن ذاكرة المجلس ألعلى، وأي محاولة في هذا المسار، تعني مسح فهم للماضي في الذاكرة، باستثناء جزء يُراد لها أن تتذكره. وهذا ما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام.
https://telegram.me/buratha