حازم أحمد فضالة ||
وجدنا سلسلة )وجدانيات وإنسانيات) يطلقها السيد المحترم )علي الطالقاني) موجَّهَةً للمجتمع، تتدحرج من على )منصة الطالقاني) في حساباته الشخصية الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد مراجعتنا لها، وجدنا ما وجدنا من الابتكارات المتنازعة دون أساس لغوي، ومصدرٍ علمي، وهي على ما يبدو محاولات لخلق مُناخٍ خليط من الصوفية والوجدانية والعرفانية، أي: ثمَّة اشتباك بين هذه المفهومات غير علميٍّ وغير مؤصَّلٍ له، تحكمه نزعة عروبية ربما، )مع الاحترام لشخص الكاتب قطعًا، فنحن موضوعيون مهنيون نحاول الاقتراب من الحقيقة).
أحببنا الوقوف على إحدى هذه الوجدانيات لمناقشتها.
يقول السيد المحترم )علي الطالقاني) ذو العمامة السوداء:
«جريمة أن يسمى الغرام عشقاً...
ففي الغرام يظهر إبليس وتظهر نجاسته.!
أما العشق فطاهر لا وسوسة فيه
راجع نفسك هل أنت مغرم أم عاشق؟»
· التذييل:
السيد علي الطالقاني/ إحدى كلماته الوجدانية.
انتهى
· رأيُنا:
لا ندري مِن أين انطلق السيد الطالقاني المحترم بهذا الرأي الغريب المنسوب قهرًا للوجدانيات!.
يقول ابن منظور في معجم لسان العرب في بيان كلمة )غرام):
والغَرامُ: الوَلُوعُ.
وقد أُغرِمَ بالشيء أي أُولِعَ به.
يقال: فلانٌ مُغرَمٌ بكذا أي لازم له مولعٌ به.
ورجلٌ مغرمٌ: مُولَعٌ بعشقِ النِّساء وغيرهن.
وإني بكَ لمُغرَمٌ: إذا لم يصبر عنه.
انتهى المعجم.
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي )رحمه الله) -صاحب شرح نهج البلاغة- في قصيدته الخالدة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب )عليه السلام):
)يقتادُني سُكْرُ الصَّبابة والصّبا
ويصيحُ بي داعي الغرام فأسمعُ)
لاحظ كيف وظَّف الغرام في معنىً سامٍ بين سُكْر الصبابة والصبا، إذ يصحو فجأةً بعد سُكْر عميق في آخر نقطة من قلبه المملوء بالحب، يصحو بمجرد سماعه لنداء المحبوب المُغرم به!، فأين المعنى المظلم الذي ساقه السيد الطالقاني المحترم! من هذا النور الذي يلتجُّ في ثنايا الجمال والوَلَه اللامحدود؟!
حتى يقول المعتزلي في قصيدته:
)ما الدَّهرُ إلا عبدُكَ القِنُّ الذي
بنفوذِ أمرِكَ في البرية مُولَعُ)
لاحظ هنا توظيف كلمة )الوَلَع) التي استعان بها ابن منظور في معجمه )لسان العرب) لبيان )الغرام)، وكيف تتناغم في المعنى، تتمشى مثل الرياحين في مروج قصيدة ابن أبي الحديد؟
فأينَ معناك أيها السيد الطالقاني المُبَجَّل من هذا البيان والفصاحة والبلاغة والأدب؟!
يقول الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدته الخالدة للإمام الحسين )عليه السلام) بعنوان )في رحاب الحسين):
)سلامٌ على الحُرِّ في ساحتيك
ومَقحَمِهِ جَلَّ مِنْ مَقْحَمِ
سلامٌ عليه بحَجْمِ العذاب
وحَجْمِ تَمَزُّقِهِ الأشهَمِ
سلامٌ عليه، وعَتْبٌ عليه
عَتْبَ الشَّغُوفِ به المُغْرَمِ)
لاحظ التماهي الساحر بين الحُبِّ والعِشْقِ والشَّغَفِ والغرامِ، إلى أي مدىً من التألق والتداخل والانسجام تذهب هذه المعاني بنا؟!
السيد علي الطالقاني المحترم مطالب أن يُخَفِّف من انطلاقته )الوجدانية)، ولا يذهب بالناس بعيدًا حيث متبنياته الشخصية الغامضة، طريق العرفان ليس بالطريق السهل، وهو لا يتوافق مع الماديات قطعًا.
أنْ تنجح كونك )تلميذًا) في أبجديات مثنوي لمولانا جلال الدين الرومي، والأربعون حديثًا للإمام العارف روح الله الخميني؛ أفضل من محاولة القفز على هذه الأسوار العرفانية الوجدانية الشاهقة؛ إذ تلامس قلب الإله.
https://telegram.me/buratha