عمر الناصر *||
قد يتبادر للاذهان بأن التفكير او محاولة التفكير في موضوع خارج حدود ونطاق الاهتمامات الداخلية لنا يكون بحد ذاته هو اجهاد اضافي وزيادة لاعباء التحديات والصعوبات التي تعصف بالواقع المرير الذي يمر به المشهد العراقي بشكل عام ، وخصوصاً وجود بعض الاصوات التي لاتعي من السياسة الا اسمها ولا من صناعتها الا رسمها ، فترانا نجد هنالك انشطار للراي العام كما عهدناه في كل حدث مابين مؤيد ومنصهر لسياسات معينة ومابين رافض لها حد اللعنة وفي كلا الحالتين عدم وجود اي خلفية او دراية واقعية او بحثية او حتى المام بتلك القضايا او ظروف مقوماتها وعوامل حدوثها يستند اليها كما نراه اليوم في انشطار الجمهور بخصوص موضوع أفغانستان .
كنت اتمنى من بعض المحسوبين على طبقة المختصين والمحللين وحتى الغير ملمين بأهمية نتائج الاحداث الاخيرة ان تكون لهم محاولات لدراسة البعد الاستراتيجي المستقبلي الدقيق والظروف المحيطة بالسياسة الافغانية واثارها السلبية على العالم اجمع وليس فقط على المنطقة فحسب ابتداءاً من الاثار النفسية لسقوط المواطنين من طائرة الاجلاء مروراً بما سيترتب على انهيار قطعات الجيش الافغاني الذي لا يحمل العقيدة العسكرية ولا يعرف شيء عن قواعد الاشتباك الخراب وانتهاءاً بالحرب الاهلية لا سامح الله التي قد تكون جاهزة في اي وقت وماستخلفه من ملفات حساسة كتصدير اللاجئين والارهاب والتي قد تبدأ بعض الجهات باستغلاله لخلخلة وزعزعة امن واستقرار دول اخرى تمر اليوم بمرحلة هدوء سياسي نسبي.
ينبغي تشخيص ودراسة كل موقف او تحوّل سياسي يحدث في المنطقة لغرض معرفة ابعاده المستقبلية وتداعياته قبل ان البدأ بالتكهنات والتهكم واعطاء تحليلات سلبية لا ربط له بالذي يحدث على ارض الحدث ، في ظل توقف بعض اقلام المختصين الاكاديمين الذين لهم باع طويل في هذا المضمار لان ليس كل ماتراه العين يكون حقيقة فارتفاع درجة حرارة صحراء المعرفة تزيد من مستوى السراب الذين ينخدع به الكثير منا حتى الباحثين.
المشهد السياسي الافغاني بالمطلق هو ليس كالمشهد لدينا ولايمكن مقارنته اطلاقاً بمعشار التحديات التي هي موجودة على ارض الحدث هنا، فاذا اردنا تفكيك رموز وشفرات كلا المجتمعين سنرى وبما لايقبل الشك وجود تفاوت واختلاف شاسع بين التركيبة المجتمعية والثقافية والايدلوجية بين الاثنين ، على اعتبار دراسة وتحليل خلفيات المجتمعات تقع من اولى اولويات اي احتلال يود الاقدام على تلك الخطوة لمحاولة تجنب الاخطاء التي ستكون في مهمته وتسهيل تحقيق الاهداف التي يسعى لتنفيذها تجنباً او لتقليل الخسائر المادية والبشرية التي تلحق به وقت التنفيذ ولكل قاعدة شواذ.
لايوجد احتلال نافع واحتلال ضار فالاحتلال كله سواء وهذا ما اثبتته السياسة الامريكية في جميع مواقفها تجاه الدول التي كانت لها بصمات سيئة داخلها على اعتبار ان العلامة التجارية المسجلة المميزة لهم في تواجدهم في اي دولة تحتلها هي الفوضى الخلاقة لمحاولة اعطاء غطاء شرعي لها في تدخلها بشؤون الدول التي تقوم بأحتلالها .
لابد لنا اليوم من تحديد اولويات التعامل بشكل حذر مع جميع الدول الاقليمية ورصد الاخفاقات والاخطاء الاستراتيجية التي تكررت في المشهد الافغاني ومحاولة ايجاد اوجه التشابه بين الصورتين وتحديد مواطن الخلل ونقاط الضعف في المنظومة المؤسساتية لاجل محاولة انضاج خطط استباقية سياسية كانت ام عسكرية تحافظ على هيبة الشكل النظام السياسي للدولة من تحدي الانهيار كما حصل عام ٢٠١٤ في سقوط الموصل، ومن اجل المقارنة بين المشاريع التي يخطط لها الاحتلال من خارج حدوده الاقليمية لإضعاف قوة الدول ولمنع اعادة الدور الريادي والسيادي لهم في المنطقة لابقائهم محرقة او مكب للازمات والتنافس بين الاقطاب الكبرى المتصارعة التي تود التحكم بمفاتيح الكوكب .
نحن نمر اليوم في مرحلة حساسة وخطرة ينبغي على الجميع توحيد الخطاب وشحذ الهمم وادراك حجم تصاعد التحديات الخارجية تجاه العراق والمنطقة بأسرها ومحاولة النأي بالنفس عن اي عطب يصيب محركات التوازنات او الاصطفاف لدولة على حساب الاخرى لكي لاتتكرر النتيجة التي الت اليها الامور في افغانستان واثارها الجانبية المستقبلية في حال اعتراف بقية دول العالم بشرعية حكومة طالبان .
انتهى …
*عمر الناصر / كاتب وباحث في الشان السياسي