جعفر الحسيني ||
بدءا لابد من القول ان الايمان بالقيم الديمقراطية هو أساس الديمقراطية ، او بكلمات أخرى لا ديمقراطية بدون الايمان بالقيم الديمقراطية . والا فان الديمقراطية تصبح جسرا لاعتى القوى فاشية او لاكثرها فسادا وتخلفا .
وبمناسبة هذا الاستهلال هناك مقولة رائعة لرستم حيدر سأخرج بها عن السياق قليلا : ليس هناك أدل على تخلف شعب مثل الحديث في البديهيات … وللاسف لازلنا نتحدث في البديهيات ، او بالاحرى نختلف على البديهيات .
وبالعودة لاصل الموضوع ، فان الديمقراطية في العراق مستنبتة وفي غير ارضها ، فهي لم تنشأ بفعل تطور تراكمي ولا بارادة شعبية انما بارادة احتلال اجنبي . ففي عشية وضحاها ، انتقلنا من نظام فاشٍ ( وليس ديكتاتوريا - وهذا وهم كبير يقع فيه كثيرون ) الى ديمقراطية (ليبرالية) ، فاصبح لدينا الكثير من الفوضى والقليل من الديمقراطية .
تُخلف الانظمة الفاشية وراءها عادة دمارا وفوضى ( المانيا ، ايطاليا ، العراق ، ليبيا ، الصومال … الخ ). فهي باسلوبها ( قطع العقدة بدل حلها ) تفاقم ازمات البلد وتمنع ظهورها في الوقت نفسه ، وما ان تسقط الفاشية حتى تنفجر تلك الازمات مرة واحدة ، يرافق ذلك فوضى شديدة وانفلات أمني وتخلف في الوعي وحَيرة وطنية وغياب للرؤية وتشرذم اجتماعي وضياع قيمي . وحدها الشعوب التي توفرت لها قيادات رصينة ، تكون قد اختصرت الزمن وخرجت من هذه المعادلة بأقل الخسائر ( أديناور في المانيا - ولو ان ذلك حدث بعد خمس سنوات من فوضى مدمرة ) .
في العراق ، فاقم الامور وزادها تعقيدا وسوءا كتابة الدستور وسط ازمة ثقة قاتلة بين المكونات السياسية . فالشيعة كانوا خائفين من عودة النظام الفاشي ، لقد كانوا بصراحة تتلبسهم روح الاقلية رغم شعورهم بانهم الاكثرية . وكان للاكراد اقليمهم المستقل تماما عن سلطة بغداد المركزية . اما السنة فالاغلبية كانت قد قاطعت - وقتها - العملية السياسية ، ومَن شارك فيها منهم كانت تتملكهم مشاعر متضاربة ويمكن وصفها بانها غير ايجابية تجاه العملية السياسية . وهكذا حلت المكونات محل الشعب وتأسست دولة طوائف ( اكراد وسنة وشيعة ) . وضاع مركز القرار في السلطة ، لأن كل جهة كانت تخشى ان يكون مركز القرار بيد الجهة الاخرى ، فولد عندنا نظام برلماني غريب ، وأمتدت المحاصصة الى أصغر منصب بالدولة ، وصار رئيس الوزراء لا يستطيع أن يقيل وزيرا او وكيل وزير أو حتى مديرا عاما تعين قبل نفاذ الدستور ، وان أقال احدهم أرجعه القضاء . وصار تعيين وزير او وكيل وزير او سفير او رئيس هيئة يحتاج لصفقات ومقايضات وربما حتى تدخلات خارجية ، وكثر المتدخلون بشأن الدولة وامورها ، وتعددت دوائرها ، ورحم الله الرصافي الذي وصف حكومات العهد الملكي :
كــثــرت دوائرهــا وقــلّ فَــعــالهــا
كــالطــبــل يـكـبُـر وهـو خـال أجـوف
كــم ســاءنـا مـنـهـا ومـن وزرائهـا
عــمــل بـمـنـفـعـة المـواطـن مُـجـحِـف
تــشــكــو البــلاد ســيـاسـة مـاليـة
تــجــتــاح أمــوال البــلاد وتُـتـلف
باختصار شديد : ولدت دولة مشلولة سياسيا واقتصاديا ومنقسمة اجتماعيا …
من جانب آخر ان الذهاب الى الديكتاتورية اليوم سينتج عنه :
الحرب الاهلية والتقسيم أو في احتمال أقل قيام نظام فاشٍ آخر ، لأن ظروف العراق التاريخية والاجتماعية والسياسية لن يتمكن فيها بعد الان أي نظام ديكتاتوري من الاستمرار مالم يلجأ لاساليب فاشية .
فما الحل ؟
لابد من التمسك بالدستور أولا ،
والفصل بين الوزارات اذا ما تمسكت الكتل باختيار وزرائها ، وبين غيرها ومادونها ( وكيل الوزير ، السفير ، المدير العام … الخ ) ، والتي يجب ان تحكمها السياقات القانونية والادارية ( الكفاءة ، النزاهة ، القدم ) ، وان يتم ذلك بشفافية عالية . هذا ثانيا .
واختيار قيادة اصلاحية - وهذا ثالثا وهو أساس الحل - تجمع بين دهاء السياسة ، وحكمة القيادة ، وبُعد النظرة ، وخبرة الادارة ، وعمق الثقافة .
وقد ورد في المأثور : ان هذا الامر لا يصلح الا لقوي من غير عنف ولين من غير ضعف .
ان القائد هو مَن يكسب ثقة الشعب به ، اما القائد الفذ أو المتميز فهو مَن يعيد للشعب ثقته بنفسه ، وهذا مايحتاجه بالضبط اي بلد يريد أن يلملم جراحه وأن ينهض ويتقدم .
ــــــــ
https://telegram.me/buratha