د.أمل الأسدي ||
الأحلام:
🔴إن الأحلام حال من حالات التلاقي البرزخية، فتمثل عروج الروح الی عالم آخر، لايُعلم ما هو وما كيفيته، فمبتدعه قد أتقن كل شيء بشكل خارج عن نطاق فهمنا وتعاطينا، خارج عن سلوكنا وطرائق معيشتنا وتفاعلنا مع الحيز المكاني والزماني، وقد صور الله تعالی ذلك في قوله:(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الزمر،الآية :٤٢
وللأحلام في أثناء الإصابة بكورونا وضع غريب وخاص، ثمة عوالم غريبة تعرج إليها الروح يوميا، فكل مصاب يزيد همه ويشعر بثقل شديد حين يقدم الليل، وكل ليلة من الليالي ولاسيما من بعد الأسبوع الأول،يقضي المريض أحلامه برفقة الأموات من الأقارب والأهل،زيارات كثيرة وأحاديث غير مفهومة منهم، ودعوات للقدوم إليهم،والغريب أن هذه الأحلام تتكرر يوميا وبالصورة نفسها تقريبا!!
ولعل أغرب القصص التي رواها لي أحد المتعافين أنه كان يری يوميا بعض الأفراد يحملونه ويلقون به من علی جدار مرتفع، فيسقط علی دكة مغتسل!!
ليقيده الواقفون حال سقوطه ويباشرون تغسيله وهو يصرخ ،ويقول لهم: إني حيٌّ، لست بميت!!
ولكنّ الشخص الجالس أمام الدكة وهو من الأموات ، يقول له : اهدأ ولاتخف، ستحل محلي!!
يقول : فأستيقظ وأنا مغموم، وأنا أشم رائحة الموت، رغم أني لا أشكو من ألم في جسدي، وحرارتي مسيطر عليها، والأوكسجين جيد، لكن صورة الحلم تظل تلاحقني!!
وتقول سيدة متعافية: إنها كانت تری يوميا بأنها ميتة وأمها المتوفاة منذ سنين، تصرخ وتلطم حزنا عليها، تقول: وأنا أريد أن أقول لها:إني اسمعك يا أمي، أنا لست ميتة، وأصرخ وأصرخ لكن لا أحد يسمع صوتي، فهو سراب!!
ويروي لنا شيخ كبير تعافی بصعوبة من الجائحة: إنه يری في كل يوم سيارة كبيرة تقف في باب منزله ، فينظر جيدا فإذا هي مملوءة بأشخاص موتی، وكلهم يقولون له:نحن ننتظرك ،أسرع ولا تتأخر!! فينزل أخي المتوفی حاملا بيده الكفن، وهو يتذمر من تأخري عليه ويشكو من انتظارهم لمدة طويلة في السيارة!!
هذا بالنسبة للمصابين،أما عن الملامسين فهم بدورهم يشاهدون رؤی وأحلاما غريبة عن المصاب، فزيارات الموتی وغدوهم ورواحهم ونظراتهم الغريبة، والأماكن المظلمة والوجوه الصفراء، والأشخاص الغرباء الذين يأتون برفقتهم وهم يتحدثون بلغة أخری غير مفهومة بالنسبةإلينا، ولكنها مفهومة بالنسبة للموتی!!
🔴 المشاعر: إن الإنسان كتلة من المشاعر والعواطف، وإن كانت نسبية مختلفة من شخص إلی آخر، لكنها لازمة إنسانية، وهي التي تمد الفرد بالقدرة علی الاستمرار والمواصلة والعمل والسعي،فالإنسان يتعلق بأولاده وزوجته وأمه وأبيه وغير أولئك ممن يرتبط قلبه بهم،حتی وإن كان ما يربطه بهم غير صلة الرحم ،ولايمكن له التخلي عن العاطفة والمشاعر مادام حيا، ومادام علی قيد الإنسانية،إلا أن الله تعالی صور لنا لحظة انطفاء المشاعر وغيابهاوذلك حين تقوم القيامة ، فالأم التي هي روح المحبة الخالصة تفر من رضيعها!!
كما في قوله تعالی:((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ...))سورة الحج،الآية :٢
وكذلك قوله تعالی:((يَومَ يَفرّ المَرء من أَخيه وَأمّه وَأَبيه وَصَاحبَته وَبَنيه لكلّ امرئ منهم يَومَئذ شَأنٌ يغنيه )) سورة عبس،الآيات٣٤-٣٧
أما أثناء الإصابة بكورونا فيمر المصاب بحال أسميها: "المشاعر تحت درجة الصفر" فثمة بياض غير معلوم،وثمة غياب للعاطفة بشكل غريب، مشاعر اللامشاعر، فالأشخاص الذين نحبهم ويحبوننا ولهم الأثر الكبير في حياتنا، نفقد ما يربطنا بهم فجأة، وتغيب محركات العواطف تماما، فلا كلمة تغني ولا ذكری تفي!!
فيضطر الإنسان الی الاعتماد علی العقل والحكمة ، فيصمت منتظرا عودة تلك المشاعر تجاه حبيب أو حبيبة أو ابن أو بنت، ولحساسية هذا الموضوع قد لايطرقه ولايخبر به أحدا ولاسيما وأن أحبته يحيطون به ويغدقون عليه العطف والمحبة، ولكنه لا يشعر بكهربائية هذه العواطف، وكأنه يعيش في عالم غريب، أو سجن إنفرادي، فهو حبيس هذه التساؤلات: ماذا أصابني؟ لماذا لم أعد أحب فلانا أو فلانة؟ لماذا لا أشعر بشيء تجاه من أحب؟
تقول سيدة: أنها كانت تمسك جوالها وتخرج صور زوجها وإخوتها وتقربها وتبقی تنظر إليها مندهشة، لماذا لا أشعر بمحبتهم في قلبي؟ أين اختفت تلك المحبة؟ هل سأموت حتی صرت لا أشعر بشيء؟
تقول فأبقی أتحدث مع الصور، مما يزيد الأمر ضبابية،ويزيدني انفصالا عن العالم!!
⭕ملحوظة:
ما ذُكِر يتعلق بالعينة التي أشرتُ إليها في الجزء الأول،وليس بالضرورة أنه ينطبق علی جميع المصابين؛لكني متأكدة من سيقرأ من المتعافين سيتذكر أشياء كثيرة كان يراها في أحلامه أو يشعر بها أثناء الإصابة.
التتمة في الجزء الثالث
https://telegram.me/buratha