قاسم ال ماضي ||
يَقولُ عُلَماءُ ألحيوان إنَ للسَمَكةَ ذاكرةٌ قصيرةٌ جداََ، هي سِتةُ ثوانٍ أو دَقائِقَ لا أذكُرُ بالضبط لها ذاكرةٌ قصيرةٌ ولهذا ألسبب أصبَح صيدها ممكناََ حتى وإن تَخَلصتْ مِن طُعمٍ سابقٍ أو صيدٍ سابق لها قبل قليل..
وَرُبَما يَتَمتعُ بَعض ألعراقيين بِتلكَ ألذاكرةَ مِمَنْ تَخلصوا مِن كابوسِ البعث. وخِلالَ هذهِ الفترة القصيرة مِمايَجعَلهُم صيداََ لبقيةَ ألأقزامَ والمقتاتينَ على قَهرِ ذلك الشعبُ المسكين.
ألمُهِم إني ولله ألحمدُ لَستُ منهم. ومازالت ذِكرياتُ الزمنِ ألذي لَيسَ بجميلٍ قابعةََ في كلِ وجداني، لو أردت سَردَ البعض القليلِ منها لَمَلئتُ صُحُفاََ. لكن هُناكَ حِكاية قصيرة تَطِلُ بذاكرتي ُلما لها في نفسي من حسرةٍ وكل ذكريات ذلك الزمنُ التَعيس حَسراتٍ وآهات.
كُنّا أنا وعائلتي وعوائل أعمامي قد هَرِبنا مِن قَصفِ طائراتِ ألتحالف ألأمريكي في حَربِ الخليجِ ألأولى التي كانت ثَمَرَةٌ لمغامرةٍ رَعّناءَ مِن ألقائدِ الضرورةَ( هدامُ اللعين).
كان مُستَقرنا في بيتِ الشيخ ابو قاسم رَحِمَهُ الله وهو زَعِيمُ قَبيلَتِنا.
ذلكَ الرجلُ الطيبُ، ألرحبُ الصدر الذي كانَ قلبهُ أوسَعَ مِن أكبرِ القصورِ والبيوت.
حَيثُ إتَخَذتْ كُلَ عائلةََ غرفةََ مِن ذلكَ البيت الطيني مسكناََ لها، كانَ ذلك البيتُ
دولةََ شَعبُها نحنُ المشردون وقائِدها ذلك الرجلُ الطيبُ أبا قاسم رَحِمهُ الله. وكانت هناك ألحاجةُ أُمُ قاسم ألتي إتخذت مسؤوليةَ ألمأكلَ والمشربَ لِذلكَ الشعبُ. هي وباقي بناتها ومن يُعينَها مِن نِساءِ ذلك الشعب.
كُنتُ شاباََ أُراقبُ وأُساعدُ حِينَ يَحتاجُ الأمرَ للمساعده، أنا وباقي الشباب.
كُنتُ قريباََ من كلِ التفاصيلَ بِحُكمِ علاقتي ألوطيدة بالعائلةِ التي كانت مُضيافةََ لي مُنذُ زمنٍ ليسَ بالقصيرِ بِسببَ هُروبِيَ المستمر من ازلامِ النظام السابق. حَيثُ كُنتُ مطلوباََ في الكثير من دوائرِ الحزبِ والأمنِ مِماجعلني واحداََ من أفرادِ تِلكَ الأُسرةِ الطيبة.
وفي يومٍ كُنتُ أُراقبُ والدي والحاج ابوقاسم رحمهم الله تعالى، وهم يقومون بتنظيفِ إطلاقاتِ البندقيةِ التي صَدَأتْ مِن فرطِ التخزينِ في جوفِ الأرضَ حِفاظاََ عليها مِن تَفتيش أزلام الحزب، الذي يَعَتبِرُ حيازةَ السلاحَ بمثابةِ مؤامرةٍ ضد الحُكم.
وقد إقترحَ الرجالُ إخراجَ تِلكَ الذخيرة لِخَوفِهم من تَرَدّي الوضعَ وَلِحِمايةَ تِلكَ الدولةُ المصغره
وفي تلك أللحظات نادتْ الحاجةُ أُمُ قاسم في طَلبِ زوجها ألشيخ أبا قاسم كُنتُ واقفاََ بِمُحاذاتِهم وأَسَرَّتْ لَهُ بِكلامٍ حَيثُ كُنتُ مَوضِعَ سِرَهُم بَعدَ أن أصبحتُ واحداََ مِنَ الأُسرةِ كما أسلَفتُ وكانَ الكلامُ خطيراَ. حَيثُ قالت :- حجي لم يتبقَ لنا سوى نِصفَ كيساََ مِنَ الطَحين، يعني عشاءَ اليومِ فقط وقليلاََ لإفطارِ الغد إن إقتصدنا ماذا نُطْعِمُ كل هذهِ الافواهُ غداََ أو بعدَ غدٍ. فَسكتَ بُرهةََ وأردفَ واضعاََ إصبَعَهُ على فَمِهِ إشارةََ للسكوت. قائلاََ لها:-
الله كريم لا تُخبري أحداََ ونَظَرَ لي وعيناه تُخاطِبُني ألكلامُ سر.
َوَحِينَ جَاءَ وَقتُ العشاء واجتمعنا أفواهاََ قبلَ الأجساد لم استطع أن آكُلَ أيَ شئ لهولِ القادمَ.
رَمَقتُ الحاجَ أباقاسم كان يَضحكُ كأنهُ لم يسمعَ أو يعلمَ شيئاََ، فأبهرتني حِنكَتهُ بالفطرةِ، بيتهُ خالٍ من الطعام وحين سَئلهُ الرجل (ليش ماتتعشه).
قال لقد اكلت قبلكم وملئتُ معدتي، ثم خَرجَ وخَرجتُ خَلفهُ أُراقِبُ ماذا يفعل ولكنهُ لم ينتبه لي وسارَ في الأرضِ الخاليةَ قليلاََ ثُمَ تَوقَفَ وَرمقَ السَماءَ وكأنهُ يُحدثُ النجمَ واستادر عائداََ إلى حيثُ الكُل.
في صباح اليوم التالي موعدُ الإفطارُ الجماعي كُنتُ أصرخُ في كلِ طفلٍ يُبذرُ في قطعةِ خبزٍ أو يطلُبُ المزيد، وكنتُ كالمجنون لاأعرفُ ماذا أفعل والسرُ كالسكين يقطعُ نياطَ قلبي حين أرى الأطفالَ والنساءَ كُلَهُم أفواهٌ تريدُ خُبزاََ. أحسستُُ بيدٍ تُمسكُ بي فإذا هي يدُ الحاج أباقاسم وبيدهِ رغيفِ خبزٍ وهو يقول هذا لي ولك تعال لِنَفطرَ معاََ. تقاسمنا خبزنا بَعيداََ عن الجموعِ. فقال لي لابويه لاتسوي هيج خَلهُم ياكلون الله كريم...
وكادَ الظُهرُ يَدقُ الأبوابَ يعني ذلك أخرَ طعامٍ من مخزنٍ فارغ.
سَمعتُ أحدهم يقول هناك سيارة قادمه اخشى ان تكونَ تابعةٌ للحزبِ إخفوا السلاحَ، إقَتربتْ السيارة كان ألعمُ ابوصباح أحدَ أعمامنا قد جاءنا بثلاثةِ أكياسٍ من الطحينِ كانَ ذلك قارِبُ النجاةَ الذي ارسلتهُ النجومَ بل ربَ النجوم الذي حدثهُ ابا قاسم ولم يُغيرَ وجهُ الحاج سِوى إبتسامةُ ترحيب بالضيفِ أبو صباح الذي جعلَ الزمنَ جميل مؤقتاََ...
https://telegram.me/buratha