د. حسين القاصد ||
لم نكن مثل المصريين يوماً، ولن نكون، وهذه ليست منقصة ولعل نرجسيتنا تمنعنا من ذلك ؛ لكنها تعد من فضائل المصريين على مبدعيهم، فحين تسأل مبدعا مصريا عن مبدع منافس له، وهو يكرهه في داخله، لكنه سرعان ما يجيبك : إنه استاذنا المبدع الكبير.. ثم يكيل له كل عبارات المديح التي ادخرها لنفسه.
أسوق هذه المقدمة لأقول : ليس لأحد بوده أن يعرف شيئا عن الأدب والنقد والدرس الأكاديمي في العراق ، دون أن يعرف أن لكل ما يبغيه بابا كبيرا اسمه علي جواد الطاهر .
بل ليس لأحد في السعودية أن ينكر فضل العلامة الدكتور علي جواد الطاهر عليه وعلى مبدعي بلاده، فلقد سافر الطاهر بعد استشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم إلى السعودية، وما أن وصل إلى هناك حتى بدأ يؤسس لهم إرثا ابداعيا، حيث انهمك وتفرغ ليجمع ويؤلف معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية، وهو المرجع الأهم لكل مختص يود دراسة أدب وثقافة تلك البلاد.
ولعل اهل الاختصاص في النقد والأدب والدرس الأكاديمي ، لعلهم يدركون ذلك ، ما عدا من يسمون أنفسهم نقادا كبارا؛ يعرفون من هو الطاهر وما قيمته الإبداعية وما ثقله في مجاله؛ الطاهر الذي يجيد اللغة الفرنسية لم يتردد في الاعتراض على كل مصطلح نقدي ومنهج وافد للثقافة العربية من الغرب ما لم يتوافق مع الإبداع العربي بشكل عام والعراقي على وجه الخصوص ؛ فالطاهر المحقق هو نفسه الطاهر المعترض على كبار محققي التراث ومن بينهم الدكتور إحسان عباس، في كتابه فوات المحققين ، والطاهر الناقد الأدبي القادم من أرقى جامعات فرنسا ، هو نفسه من يغمز إليه البعض بأن نقده انطباعي ، والطاهر المعلم ملأ الجامعات بكبار الأساتذة من تلامذته الطاهرين مثله.
كل مبدع واديب ومثقف هو ضيف على الطاهر في حياته ومماته فكتبه بمثابة بيته المفتوح دائما لكل ضيف، ولا يخرج منها الضيف دون منفعة أدبية وعلمية جديدة أو دون رضا كامل وشكر جزيل ، فالطاهر هو أحد مؤسسي الاتحاد العام للأدباء العراقيين ، واشجع نقاده رأيا ، في وقت كان الآخرون يخافون حتى من محاولة التفكير بصمت .
لم يصمت العلامة د. علي جواد الطاهر وليس له أن يصمت لأنه هو، وهذا حسبه؛ وعلى الرغم من كل ما عاناه من الذين حكموا هذه البلاد، لم يتخل عن كل مبدع عراقي حتى لو كان مختلفا في توجهه الفكري معه، رحم الله أستاذنا الطاهر فمازالت كتبه تنبض علما، وتنطق بصوته. لكن متى تجمع أعماله الإبداعية الكاملة؟
https://telegram.me/buratha