عمر ناصر* ||
في صيف عام 2007 وعندما كنت في طريقي مستقلاً سيارتي الى العمل في احدى شوارع ستوكهولم، توقفت في احدى الاشارات الضوئية عند الثامنة صباحاً ، وبالعادة يكون نظام الطرق والمرور في الاتحاد الأوروپي يخضع لمعايير وقوانين يتيح لكل فئه في الشارع استخدام حقل السياقة الخاصه بها ، ومن ضمن ذلك حقل المشاة والحقل الخاص بالدراجات الهوائية.
توقفت الى جانبي دراجة هوائية لا اعتقد انها كانت غالية لكونها كانت من النوع المألوف كالتي كانت موجودة في صناعتنا الوطنية التي يذكرها اكثر جيل الستينات والسبعينات (دراجة بغداد).
التقت عيني وعين صاحب الدراجة بنفس الوقت وابتسم بعضنا الى الاخر وبادرنا على بعضنا بالسلام بكلمه " مرحبا " مع قهقهه بسبب لطف المبادره في الترحيب ببعض التي هي اهم جزء من ثقافة المجتمع السويدي.
امعنت النظر به فوجدت انه السيد( لارس خيرنكڤيست ) نائب رئيس الوزراء في تلك الفترة بلاحمايه ولا مصفحات، في الوقت الذي كان فيه رافع العيساوي في منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة المالكي.
انتابني الفضول بشده ان اطلب منه الحديث لدقائق وكنت اخشى ان يرفض ذلك بسبب دقة الالتزام بوقت بدأ العمل وقد نتاخر كلانا عن العمل ، فأستجاب بالموافقة على طلبي بدون ان احتاج الى تقديم طلب مقابلة او التواصل مع مدير مكتبه !!!
توقفنا على امتار بعد اجتيازنا الاشارة الضوئية واستطاع ان يكون اسرع مني في الترجل من دراجته ليسبقني بالمجيْ لي ومد يد المصافحة والتعريف عن نفسه بأبتسامه تفاؤل عريضة.
فدار حديثنا بصورة عفوية ورجوته ان لا يستهجن فضول اسألتي :
- انا: سعيداً جداً بلقاءك ...
- لارس : وانا كذلك حقاً ....
- انا: هل يستغرق وقتاً طويلاً للوصول الى عملك مستقلاً دراجتك ؟
- لارس : ممم نعم ... بلاشك انه يأخذ وقتاً اطول من السيارة .
- انا: لماذا لاتستقل سيارتك اذا لتكون العملية اسهل لك ؟
- لارس : استقل سيارتي عندما تكون لدي تنقلات مهمة وبعيدة بخلاف ذلك استخدامي لدراجتي حفاظاً على البيئة واكثر صحياً ولإتاحة الفرصة في تخفيف الضغط على استخدام الشارع ..
- انا: ولكنني لا ارى حماية ومصفحة تساهم في حمايتك في تنقلاتك؟
- لارس : ولماذا افكر بهكذا شي فنحن كعامة الناس وحياتنا العملية تختلف عن حياتنا السياسية... لست بحاجة لذلك .. بالاضافة لذلك لا يسمح لنا القانون بالحصول على هكذا امتيازات.
- انا: ولكن منصبك السياسي والحكومي يحتم ان يكون لك حماية كحال بقية رؤساء العالم .. اليس كذلك ؟
-لارس : لا اعتقد اننا يجب ان نقارن انفسنا ببقية بلدان العالم ياعزيزي.. فلكل دولة لها ثقافتها واسلوب حياتها....
-انا: وماذا عن البرلمان ورئيس مجلسه اليس لديهم سيارات حكومية للاستخدام الخاص للتنقل في مهماتهم بين المقاطعات ؟
-لارس: البرلمان السويدي لديه اربع سيارات فقط من نوع فولفو S80 فئة اس ثمانين ، تستخدم فقط عند الضرورة ولا يوجد لدينا سيارات للاستخدام الشخصي...رئيس الوزراء فقط تخصص له سيارة واحدة بصورة دائمة لغرض التنقل بها في عمله.
-انا : اذن انتم تمتلكون على الاقل منازل تدفع لكم بدلات إيجارها من الدولة .... على ما اظن!!!
- لارس : قطعاً لا ... نحن نعيش في شقق صغيرة وندفع تكاليفها من جيبنا الخاص ... الدولة غير مسؤولة عن هذه الرفاهية لكوننا نحن من اخترنا الدخول في الشأن السياسي خدمة للمجتمع ....
توقفت عن الحديث للحظات واردفت بالقول ... انا اعرف ان وقتك ضيق الان .... اتمنى ان لا اكون قد اطلت عليك بأسالتي ...
سالفتنا اليوم اذا راح ننطي الجماعة بايسكلات راح يقبلون ياخذوهن بدل السيارات ؟ ......
عمر ناصر/ كاتب وباحث في الشأن السياسي
https://telegram.me/buratha