حاقظ آل بشارة ||
في التاسع من نيسان نتذكر دائما جريمة قتل المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر وشقيقته العلوية المجاهدة بنت الهدى ، انه الممهد للثورة الاسلامية في العراق ، وفتواه ونداءاته الشهيرة تحولت الى فرق جرارة من المجاهدين ، وتقترن ذكرى الاستشهاد مع ذكرى سقوط الطاغية ونظامه ، وليس هناك صدفة بل هو تقدير الهي له معنى واضح ، وليس صدام وحده من قتل الشهيد الصدر بل هناك شركاء دوليون واقليميون لهم مصلحة في التخلص من ذلك المرجع الثائر ومشروعه الكبير ، خاصة وان هجوم صدام على الاسلام في العراق سبق هجومه على ايران لاسقاط النظام الاسلامي الجديد بدعم امريكي وغربي وعربي ، تطلبت الحرب على ايران ان يبدأ نظام صدام بتصفية خصومه في الداخل ممن يمثلون امتدادا للثورة الاسلامية وفكرها واهدافها ، لذلك وجه صدام ضربة موجعة للحركة الاسلامية في العراق بكل رموزها من مرجعية وحوزة وتنظيم سياسي وقواعد جماهيرية نامية ، وشملت الجريمة اشكالا من القتل والتغييب والتهجير والسجن .
كان الشهيد الصدر رمزا لمشروع الحكومة الاسلامية ، التي لا يمكن ان تنهض الا بعد ثورة جذرية ، لذلك وضع السيد الشهيد اولويات لبعث الروح في تلك الثورة على الاصعدة الفكرية والاجتماعية والسياسية ، وقد بدأ معركته بتأصيل الفكر الاسلامي وتبسيط الرؤية الاسلامية في بناء الفرد والمجتمع والدولة ، وكانت البداية متمثلة بمواجهة المدرستين الاشتراكية والرأسمالية كأطر اديولوجية وكمذاهب اقتصادية ورؤية في بناء المجتمع وهويته الاخلاقية ، كانت مباحث السيد الشهيد فلسفية عميقة دامغة لذلك لم يستطع خصومه الرد عليه ، وقد عبر السيد الشهيد عن مدرسته المتكاملة عبر مؤلفاته الشهيرة (اقتصادنا) و (فلسفتنا) و (الاسس المنطقية للاستقراء) ، اما اراؤه الفقهية فقد نشرها في رسالته العملية (الفتاوى الواضحة) ، ولم يتوقف السيد عند عملية نسف الاسس التي تقوم عليها الراسمالية والاشتراكية بل ذهب الى تأصيل الرؤية الاسلامية وقدرتها على بناء الفرد والمجتمع والدولة والاقتصاد بكل مفاصله ، هذه الريادة العلمية الفريدة هي التي جعلت الدوائر الاستكبارية واتباعها في المنطقة يشعرون بالخطر وبأن خمينيا ثانيا ينهض في العراق بعقله الكبير وغطاءه الجماهيري والحوزوي والسياسي ، ولا يوجد حل الا بتوجيه ضربة قاصمة الى هذا الزعيم ونهجه وقواعده .
لكن يبدو ان جريمة قتل السيد الصدر جسدا قد اعقبتها عملية تصفيته فكرا ومنهجا ، القتل الجسدي نفذه الاعداء اما القتل المنهجي فقد نفذه الاصدقاء ! بخيانة الامانة والتهاون في اداء الواجب ، فنحن الآن امام مشهد غريب اذ نرى اغلب من يدعون انتماءهم الى الشهيد الصدر ومدرسته ونهجه العلمي والاخلاقي ابتلوا اليوم بتقصير هائل ادى الى انتكاسة كبرى في ادارة شؤون بلدهم ، والتغاضي عن الانحدار المستمر في ادارة النظام البديل ، واصبح اغلبهم يرمز الى الفشل والفساد والفوضى ، ولم يقرر احد منهم ان يثور على الفساد ، او يعتزل التجربة ويعلن رفضه لما يجري ، بينما بقي هناك خط اصيل صادق في انتماءه الى هذه المدرسة يقاوم عوامل النحطاط ، وقد اثبت هذا الخط بمجاهديه حضوره الكبير في معركة العراق مع داعش ونهجه التكفيري ، وقدم رعيلا كبيرا من الشهداء ، واسقط اسطورة التكفيريين وحواضنهم ، لكن تلك التضحيات لم توقف مسار الانحطاط السياسي في ادارة الدولة ، انه انحطاط خطير ادى الى قتل الشهيد الصدر نهجا وفكرا وطي صفحة ذلك التألق النادر في تاريخ المرجعيات ، لكن اتباع ذلك الشهيد العملاق لن يصابوا باليأس لأن تجارتهم مع الله ولا يخلف الله وعده (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) القصص-5
https://telegram.me/buratha