ضياء ابو معارج الدراجي ||
منذ عقود من الزمن وهدر المال العراقي هو السمة ذات الرصيد الاعلى من طرق النهب المتعددة لصالح جيوب الفاسدين بشتى الطرق و اعقدها بينما يتفنن السراق في خلق مصادر اهدار جديدة لا يمكن ان يكشفها احد او تتابعها الاجهزة الرقابية المتخصصة.
اليوم اكتب عن احد تلك الطرق لكن بشكل بسيط يمكن استيعابه وفهمه.
في احد الايام خرجت من مقهى رضا علوان في الكرادة داخل بعد الانتهاء من جلسة حوارية متجها نحو داري في منطقة الشعب و لكون المسافة طويلة جدا بين الكرادة و سيطرة الشعب كان لا بد لي ان ركب باص لنقل الراكب من الكرادة الى ساحة الطيران ثم استغل الميني باص من ساحة الطيران الى منطقة الحسينية وانزل في الطريق قرب داري مقابل سيطرة الشعب القديمة .
ركبت باص بحمل ٢٢ راكب من الكرادة الذي انتهى بنا خط سيره في ساحة الطيران خلال ١٥ عشر دقيقة وعند سيري في ساحة الطيران لفت انتباهي شاب يبيع الاحذية على رصيف الساحة بسعر خمسة الاف دينار للزوج الجديد الواحد، ربما اصبح هذا الشاب فيما بعد من ضمن شهداء الانفجار الارهابي الاخير الذي حدث فيها لان موقعه كان قريب جدا من منطقة الانفجار.
في بداية الأمر جذبني السعر الذي كان يصدح به صوت الشاب المرهق منذ الصباح وحتى ساعة وقوفي عنده بعد الظهر الجمعة ترويجا لبضاعته لكني عند فحص البضاعة اعجبني اتقانها حيث كانت عالية الجودة من حيث الصناعة و الخامة و القاعدة وكذلك تتناسب ألوانها واشكلها مع ذوقي و عمري و هندامي بالبدلة الرسمية وربطة العنق.
اشتريت زوجا جميلا استخدمه على مدار اربعة شهور متتالية ذهابا وايابا بين سكني ومكان عملي في باب المعظم وكنت كل ثلاثة او اربعة ايام اقضي من وقتي ١٠ دقائق عند صباغ الاحذية مقابل دائرتي للمحافظة على شكل و رونق حذائي لاتمم اناقتي بسعر الف دينار للمرة الواحدة.
في اخر مرة تنبهت الى اني قد اهدرت ٢٥ الف دينار خلال الاربعة شهور المنصرمة لتلميع حذاء قيمته خمسة آلاف دينار فقط بينما كان بامكاني ان اشتري علبة صبغ احذية بالف دينار و فرشاة تلميع الاحذية بالف اخر تكفيني شهورا واعتمد على نفسي او على احد اولادي وبناتي في صيانة حذائي و بالمقابل كان بامكاني ان اشتري خمسة ازواج من الاحذية الجديدة لعائلتي بالمبلغ الذي هدرته لصيانة حذاء واحد واعتمد على اهل بيتي في اموري الخاصة بدل اهدار المال خارج الدار وبتكلفه اعلى من سعر الشراء بخمس اضعاف للمادة المصانة.
لذلك فهمت كيف يمكن للسراق والفاسدين ان يفتحوا طريقا لهدر المال العراقي باسم الصيانة واعادة الاعمار والتاهيل لينهبوا اضعاف سعر ما يعمرونه خلال سنوات في المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية التي تهدر بسببها مليارات الدولارت باسم الصيانة والتصوير والتحديث وغيرها من المسميات بينما تستطيع الحكومة التي تستبدل المؤسسة او الوحدة الخدمية باكملها ان كانت كهرباء او ماء او صحة او خدمات بواحدة اخر جديدة بنفس المبلغ المرصود للصيانة المهدور على ادامتها او زيادة عدد الوحدات او الطرق لتخفيف الضغط عليها.
او كان بامكان الحكومة بتلك المبالغ ان تدرب اولادنا بدورات خاصة على صيانة المؤسسات والمعدات والمعامل والطرق وتنتج جيل مدرب يقوم بالصيانة وتدريب من ياتي بعده وتتخلص من البطالة وتزيد فرص العمل للشباب العراقي المفعم بالحيوية والنشاط والمثابرة والذكاء.
لذلك نقول ان البلد يحتاج الى ثورة ضد الفساد واعادة تنظيم وهيكلة الدوائرة المالية لكشف حالات الاهدار المالي ومحاسبة المهدرين عن طريق لجان كشف وتقيم الأضرار وكذلك فتح مؤسسات تعتني بتدريب الكوادر الشبابية العراقية على الصيانة والبحث والتنقيب بدل اهدار المال على الشركات الأجنبية والعمالة الاجنبية.
ووضع خطة خمسية او عشرية متنقنه لاعادة الاعمار والتاهيل والبناء من حيث دراسة الجدوى لكل مشروع جديد او اعادة تأهيل مشاريع سابقة وتدريب كوادر عراقية شابه تقوم بالعمل والصيانة بعيدا عن الشركات الاجنبية والعمالة الخارجية.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha