ضياء المحسن ||
لم تكن الكلمات المقتضبة التي قالها قداسة البابا فرنسيس بعد لقاءه مرجع الطائفة الشيعية علي السيستاني، مجرد كلمات عابرة يسمعها المتلقي دون أن يتوقف عندها مليا، ليأخذ من مظانها الكثير من الدروس والعبر، لأنها قيلت بحق شخصية قل أن يجود بها التاريخ الحديث، من حيث الوسطية والإعتدال في الطرح، والإنفتاح على الآخرين من الأديان السماوية.
الحبر الأعظم البابا فرنسيس الذي يتبعه أكثر من مليار مسيحي كاثوليكي، نادرا ما يقول كلمات بحق الآخرين مهما كانت صبغتهم الدينية أو السياسية، لكن يبدو أنه تجاوز هذا الخط بعد لقاءه بالمرجع الشيعي البالغ من العمر 90 عاما، والذي من النادر ان يلتقي بالمسؤولين في هذا البلد الذي عاث فيه قادته الفساد والدمار، بحيث نجد أنهم أصبحوا منبوذين من قبل المرجعية الدينية التي يقف على رأسها علي السيستاني، وعندما يقول قداسة البابا هذه الكلمات بحق شخصية يكتنفها الغموض من قبل العالم خارج المذهب الشيعي والدين الإسلامي عموما، فإن لوقع هذه الكلمات تأثير كبير ليس على شخص السيستاني، بقدر تأثيرها الكبير على الوضع العراقي، والذي يصارع من أجل الوقوف بوجه المصاعب التي يواجهها هذا البلد مع ما يملكه من إمكانات لكنها معطلة أو مغيبة بسبب لا مبالاة وعدم إهتمام القادة السياسيون في هذا البلد.
يقول قداسة البابا فرنسيس عن إجتماعه مع السيد علي السيستاني ((هذا الإجتماع أفادني روحيا.. إنه النور)) كلمات ست هي مجموع ما رددها الحبر الأعظم على مسامع الصحفيين الذين يغطون زيارته التاريخية للعراق، لكنه أعطت معاني كبيرة للرجل الذي يسكن في بيت مؤجر وأثاث بسيط في حارة من حارات النجف الأشرف الضيقة والقريبة من مرقد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو إمام الشيعة الإثنى عشرية في العراق والعالم، كلمات صادقة قالها قداسته بعد أن أمضى أقل من ساعة في لقاء جمعه بالمرجع السيستاني، فجعلت قلوب الكثيرين من مختلف الأديان يلامسها ذلك النور الإلهي الذي لامس قلب البابا فرنسيس.
يقوم البابا فرنسيس بزيارات كثيرة لدول في العالم، لكنها المرة الأولى التي يزور فيها بلد عربي ويلتقي مرجع إسلامي في منزله المتواضع، لكن زيارته تلك وضعت حدا فاصلا ما بين اليوم الذي قبل الزيارة واليوم الذي تلاها، بحيث أصبح العراق قطب الرحى لأن فيه شخص بلغ من العمر عتيا، ولا يحمل هما غير هم أن تكون الإنسانية كلها تعيش في سعادة بعيدا عن التوتر والتناحر، وأضاف سيد البيت الصغير في مساحته والكبير في سعته شيئا مهما، تمثل في ضرورة الإبتعاد عن الإتكال على السلاح في تسوية الخلافات بين بني البشر، وضرورة أن يرعوي الإستعمار بأن الغلبة في النهاية لمنطق الحق والتعقل، وأن ما يقوم به الكيان الغاصب في إحتلاله لأرض فلسطين هو خطأ كبير.
قدمت مرجعية النجف بشخص السيد علي السيستاني معنى الإسلام الأصيل والمتمثل بالتمسك بتعاليم أهل البيت عليهم السلام، والذين حفظوا العراق والعراقيين من أن يذبحهم أصحاب الأفكار المتعصبة والمارقين عن الدين الإسلامي الحنيف، هذا الدين الذي لا يؤمن بالعنف والقتل.
إذا من حق الشيعة أن يفخروا ويتفاخروا بين بقية المذاهب الإسلامية بأن مدرستهم التي يرأسها السيد السيستاني، والتي واجهت الكثير من التضليل والتشويه، هي بحق تمثل الإسلام المحمدي الإبراهيمي.
https://telegram.me/buratha