ضياء المحسن ||
كثير من الحضارات مرت على هذا العالم الفسيح في طول الكرة الأرضية وعرضها، حضارات اندرست وضاعت أخرى، وجاءت ديانات تبشر بالعدل والمساواة بين البشر، لكن تبقى لهذه الأرض التي سُميت ب (العراق) خصوصية في قلوب العالمين، لأنها مهبط الأنبياء ومهد الحضارات وملتقى العالم القديم والحديث لموقعها المتميز بين قارات آسيا وأفريقيا وأوربا.
كانت أول ديانة تبشر بوجود الرب هي الديانة الإبراهيمية، حتى مع إختلاف الديانات الأخرى عن بعضها البعض في طرح فكرة الوجود وعلاقة العبد مع الباري عز وجل، لكن تبقى هناك وشائج يعتقد المؤمنون بأنهم من خلالها يلتقون مع من يعتنق الديانة الأخرى، كونها نزلت من سنغ واحد، الإختلاف فقط في الجزئيات بينما الأساسيات والمتمثلة في الوحدانية والعدل والمساواة ونبذ العنف والكراهية فهي واحدة لدى المؤمنون من جميع الأديان.
تأتي زيارة الحبر الأعظم فرنسيس للعراق كأول زيارة بابوية للعراق منذ مئات السنين، للتعبير عما قدمنا إليه، وخلال كلماته التي ألقاها سواء في بغداد أو النجف وحتى تلك التي ألقاها أثناء صلاته لمهبط النبي إبراهيم، يؤكد قداسته على ضرورة العمل على بناء الإنسان بعيدا عن الكراهية، وعدم إستغلال الدين لمطامح شخصية، ويعرج قداسته الى أن لهذه الأرض خصوصية بحيث أنها تعد مكانا للحج، لأنها تتربع على عرش العالمين القديم والحديث، فمنها انطلقت الديانة الإبراهيمية، وفيها الأنبياء والأولياء الصالحين، من هنا فهي مباركة من الرب.
تأكيد قداسة البابا على أهمية العراق أكدته تصريحات منظمة اليونسكو، الأمر الذي يلقي بظلاله على الإجراءات الحكومية التي يجب على الحكومة المركزية والمحلية القيام بها للنهوض بمثل تلك المواقع وتأهيلها لإستقبال السياح الأجانب من مختلف الجنسيات، فإذا ما أخذنا بنظر الإعتبار تصريحات البابا فرنسيس الذي يستمع لكلماته أكثر من مليار مسيحي في العالم، نجد أن الناصرية بحاجة الى جهد إستثنائي لتأهيلها لتكون قبلة للحج، وهذا الأمر يعني تسخير كافة الطاقات المالية والمادية لإظهار المدينة بأبهى حلة لتستقبل ملايين السياح، وهو الأمر الذي يعني أن الناصرية سوف تكون المدينة التي لا تنام نتيجة إزدياد أعداد السياح الأجانب.
من هذه اللحظة فإن الواجب الأخلاقي يضع على عاتق الحكومة المحلية قبل كل شيء، تجهيز خطة العمل ووضع الأولويات المتعلقة بمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين العرب والأجانب والمحليين لبناء الفنادق وتأهيل شوراع المدينة وتأثيثها بالعلامة الدالة لكل منطقة، خاصة مناطق الأهوار والمناطق القريبة من زقورة أور، حيث أن هناك مناطق أثرية كثيرة لا تبعد كثيرا عن المناطق الأثرية المنتشرة في الناصرية، خاصة محافظة السماوة والتي تضم أيضا بحيرة ساوة الطبيعية، وهذا الأمر سيعود بالنفع على العراق من أقصى شماله الى أقصى جنوبه، بما يعني أن واحد من القطاعات الإقتصادية الحقيقية تم تفعيله دون جهد جهيد، بل من خلال إستثمار زيارة البابا فرنسيس الى هذه المنطقة المنسية، بالتالي فإن من المتوقع أن ترتفع إيرادات السياحة الى أرقام توازي الصادرات النفطية.
https://telegram.me/buratha