المقالات

لقطات من الإنتفاضة الشعبانية/ اللقطة الثانية


 

إلتقطها / أحمد رضا المؤمن ||

 

 

كان نبأ إنتهاء الحرب قد أحدث فرحة كبيرة لدى الناس لأن العراقيين لم يمضي على خروجهم من الحرب على إيران أكثر من سنتين وإذا بصدام يورط العراق بـ(أم المعارك!) أو أم المهالك كما يحلو للعراقيين تسميتها .

أما النظام المقبور فقد حول هزيمته العسكرية النكراء كعادته إلى إنتصار تأريخي فتحولت السماء إلى لوحة ترسمها يومياً خرطات طويلة من العيارات النارية الملونة الحمراء والخضراء والصفراء الخاصة بالإحتفاليات والتي كنا نطلق عليها (الصعّاديات) والتي كان وهجها قوياً بعد حلول المساء نظراً للظلام الدامس الذي كان يغطينا بفعل القصف الأمريكي لجميع منشآت الكهرباء ..

كُنت مع المرحوم والدي في زيارة لعمتي (أم فلاح) في حي المثنى عندما إلتقينا أحد أحفادها الشباب الذي أخبر والدي بوجود تحضيرات يقوم بها مجموعة من الشباب الإسلامي الثائر للخروج بمظاهرة بعد غد الإثنين والقيام بثورة إسلامية في العراق ..

لم يُتم هذا الشاب النجفي كلامه حتى قاطعه والدي مُحذراً لهُ من إحتمال أن يكون هذا الأمر شِركاً يَتَصَيّد النظام المُباد به الشباب المؤمن كما هي عادته في الإرهاب المنظم مُستبعداً في الوقت ذاته أن تحدث ثورة في مثل هذه الظروف .

وما أن حل مساء يوم الإثنين هذا وتحديداً في الساعة الثامنة مساءً وبينما كنا غارقون في الظلام حتى طرقت علينا باب الدار بشدة وبشكل مُرعب يدل على حدوث خطب ما .. إنها سيارة الأجرة (الكوستر) فيها المرحوم عمي (أبو باسم) وبعض أبناء وبنات المرحوم عمي (أبو عدنان) التي جاءوا بها من بغداد للزيارة والإطمئنان على الأقرباء بعد إنتهاء الحرب ..

دخلوا يسلمون علينا مودعين بينما كان عمي (أبو باسم) يصرخ بصوت خليط من شعور الفرح والقلق من المجهول : (إنها ثورة .. صارت ثورة بالنجف .. ورأينا الناس جاي تهجم وتقتل البعثيين ..) أخذوا منا ماء شرب وخبز وقالوا بأنهم سيقفلون راجعين إلى ديارهم في بغداد مهما حدث لأن الأمور تسير إلى المجهول ..

لم أعي حينها معنى كلمة (ثورة) ؟! ما معنى ثورة ؟

فالثورة كانت في ذاكرتنا الطفولية تعني (ثورة 17 تموز المجيدة !) كما كان يُسميها نظام البعث المقبور وكما كان يتم تعليمنا في المدارس وفي التلفزيون رغم أنها أشأم يوم في تأريخ العراق !

إنفعل أبي مع الخبر فأخذ يُزيد من تدخين سجائر (اللّف) التي أعد منها كمية تصل إلى ثلاثون سيجارة ، وهو عدد كبير بالنسبة لإعداد مثل هذه السيجارة المتعبة بعد أن إنقطع إستيراد كُل أشكال السجائر وتوقف إنتاج سجائر (سومر) و(بغداد) العراقية أثناء الحرب ..

أما والدتي فقد إنتابها قلق شديد على المرحوم خالي (علي) الذي لم يصل بعد إلى البيت رغم أن الساعة تجاوزت الحادية عشر ليلاً (يومها لم يكن لدينا هاتف أرضي فضلاً عن الموبايلات) .. والذي كان قادماً لنا هو الآخر من بغداد هرباً من القصف العنيف قرب منطقة سُكناهم ، وبعد إنتهاء الحرب تباطأ في الرجوع فإذا بالقدر يزجه في قلب ثورة النجف !

عاد المرحوم خالي (علي) في الحادية عشرة والنصف ليلاً وهو يحمل سكين حربي لأول مرة أسمع بإسمه يُدعى (حربة) مع مخزن رصاص رشاش كلاشينكوف (شاجور) قال لنا بأنهُ غنمه عندما هَجَم مع مجموعة من الشباب النجفي المؤمن على المقرات البعثية لتصفيتها من رجسهم ونجسهم فكان نصيبه هذا (الشاجور) و(الحربة) التي أثارني شكلها المرعب حيث إحدى جوانبها المسننة قال أبي أنها تستخدم بكيفية ما لقص الأسلاك الشائكة في الجبهات ..

كانت ليلة طويلة جداً ملئية بالأحداث بالنسبة إلينا ، وكان أبي حتى الفجر يُفتش مؤشر الراديو من أجل الحصول على خبر يُشير إلى هذه الثورة أو أي شيء قريب منها دون جدوى فإضطر إلى إطفاء الراديو خوفاً من نفاذ البطاريات التي إختفت من الأسواق تماماً فلا إستيراد ولا تصنيع محلي ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك