د.حسين القاصد ||
لا أنصع دليلا على وطنية عبد الكريم قاسم مما ذكره هاني الفكيكي حيث يسأله عمه الحاج محمود هل اتفقتم مع الأمريكان أو الانكليز جيدا على الإطاحة بعبد الكريم، وعمالة الخصوم تنزه الضحية إلى حد ما .
ولا مفرَّ من التطرق للدور الذي لعبه جمال عبد الناصر وتدخله في الشأن العراقي ، فبعد أن دعم حركة الشواف بكل ما يملك من أسلحة وإعلام ودعم سياسي ، نراه في انقلاب 8 شباط هو المحرض الأول والداعم الرئيس للانقلاب ، وذلك بسبب رفض عبد الكريم قاسم الانضمام للجمهورية المتحدة ورفضه التعاون مع نظام عبد الناصر ولعل الحوار الذي جرى بين عارف وقاسم في اللحظات الاخيرة يفضح علاقة عارف بعبد الناصر ويفضح أولوية الدفاع عن عبد الناصر على الأهداف الأخرى للانقلاب اذ قال عارف لقاسم : ( لماذا كذبت على عبد الناصر ؟ وتقول إن عبد الناصر تآمر علينا ... هل من الضمير أن تتهم عبد الناصر بالخيانة ... وأن تتهمه بالتآمر عليك ؟ وأنت تعلم انه أوصاني بك خيرا يا قاسم بك أنت بالذات ... أنت تعلم أن عبد الناصر يقول لي دائما قاسم أخوك وتعامله أحسن معاملة ... أنت تعلم كل هذا ومع ذلك أنت تقول إن جمال تآمر عليك بينما الحقيقة انك أنت يا قاسم الذي تآمرت على جمال عبد الناصر ).
وهنا يتضح بشكل جلي مدى اتفاق الانقلابيين مع عبد الناصر للإطاحة بعبد الكريم قاسم ، كما أن عبد الناصر نفسه لا ينفك ان يبادر للإفصاح عن دعمه ولا يتردد عن ذلك أبدا ، فها هو يجند كل إمكانيات مصر من الأسلحة التي استعملت ـ سابقا ـ في حركة الشواف المدعومة بسلاح مصري ؛ وحين حدث الانقلاب ونجح الانقلابيون بالقضاء على عبد الكريم قاسم جنّد عبد الناصر الإعلام المصري لدعم الانقلاب وهو الأسلوب الذي سيرثه البعثيون لاحقا حيث يدخلون الفن والأدب جنديا في المعركة .
ومن أهم ما قدمه عبد الناصر للانقلابين هو (توجيه كافة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لنصرة الثورة في العراق ...
فتوجه كبار المطربين أمثال محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وشادية ومحمد قنديل ... للإنشاد للثورة العراقية ونشرت الصحف صفحات كاملة عما دار في العراق بتفاصيل دقيقة ...
وأوفدت المراسلين الصحفيين المقيمين في بغداد لهذا الغرض وخرجت الجماهير الشعبية المصرية تهتف للثورة الوليدة وخصوصا أثناء استقبالها لوفد الثورة العراقية لمباحثات الوحدة حيث التلاحم الجماهيري الكبير يدل على عمق الروابط القومية والوشائج الانسانية التي تربط ابناء الامة العربية ) .
ولم يتوقف الدعم الناصري عند هذا الحد بل تجاوزه ليكون دعما واضحا وبصفة شخصية ؛ فقد كان أول المهنئين والمعترفين بحكومة الانقلاب حيث ارسل برقية تهنئة جاء فيها (لقد تابع شعب الجمهورية العربية المتحدة بقلب صاف متجه الى الله العلي القدير احداث يوم ضخم كبير عاشه شعب العراق الباسل وحاول طواله بعزم وايمان ان يعيد تصحيح ثورته العظيمه ويجعلها حيث اراد لها ان تكون في خدمة وطنه وعروبته واني لأشعر ان شعب الجمهورية العربية المتحدة وصل الى نهاية هذا اليوم الحافل وهو يحمد الله من اعماقه ... واني اذ اهنئكم بثقة المجلس الوطني لقيادة الثورة في العراق واختياركم منه لرئاسة الجمهورية العراقية ابعث اليكم في نفس الوقت بكل اماني التوفيق ...).
ولم يكن عبد الناصر وحده الداعم الوحيد للاطاحة بعبد الكريم قاسم ، ففضلا عما قاله هاني الفكيكي فيما يخص استفسار عمه محمود حول استحصالهم موافقة الامريكان على الاطاحة بعبد الكريم يأتي تصريح الملك حسين ملك الاردن لصحيفة الاهرام في الحوار الذي اجراه معه رئيس التحرير محمد حسنين هيكل ، اذ يقول (اسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8/شباط قد حظي بدعم الاستخبارات الأميركية .ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ، ولكني اعرف الحقيقة . لقد عقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الأميركية ، وعقد أهمها في الكويت )
https://telegram.me/buratha