د.نعمه العبادي ||
تمثل الألوان أحد أعظم النعم الإلهية، والتي أضافت على الوجود بهجة وجمالاً متفرداً، كما انها أتاحت مدى غير متناهي للقدرة على تمايز الاشياء.
بدأت علاقة الانسان معها منذ اللحظات الأولى للشروع في حركة الحياة، ومثلما تطورت الخبرات البشرية في التعاطي مع الكثير من مفردات الحياة مثل المأكل والملبس، فإن العلاقة مع اللون قطعت أشواطاً كبيرة عبر الاجيال المتعاقبة والخبرات المتراكمة.
محددات مختلفة تؤثر أو تفرض خيارات معينة من الألوان، فهناك محدد الجنس، إذ تعد بعض الألوان (في الغالب) نسائية، فيما تقابلها ألوان رجالية، وهناك محدد المرحلة العمرية، فقد ارتبطت بعض الالوان بمراحل عمرية معينة، وتعد الفصول والجغرافية محدداً مؤثراً في خيارات الالوان، ثم يتقدم كل هذه المحددات محدد آخر يتثمثل في التوجهات الثقافية خلال مرحلة زمانية محددة أو في مساحة جغرافية معينة، والذي انتج ألوان الموديلات او الالوان التي تميز نمطاً ثقافياً عن غيره أو مجموعة سكانية عن نظيراتها، وهكذا دخل مستوى التعليم والنمط المعاشي وطبيعة المهمة او الغاية التي يتم لاجلها اختيار اللون، كمحددات اخرى في قضية الاختيار وانتخاب الالوان.
اثبتت التجارب، ان هناك وعياً فطرياً متبايناً بين الافراد فيما يتصل بالخيارات اللونية، ويظهر بشكل واضح قدرة المرتكز الفطري الواعي على انتخاب الاجمل والافضل والاكثر ملائمة حتى مع التعليم المحدود والبيئة الثقافية والاجتماعية الفقيرة.
تعدى معطى اللون من كونه بعداً جمالياً الى مستوى اخذه كأحد الاركان التي تستند عليها (هوية ما)، وقد صار ارتباطاً جدلياً بين لون ما وهوية او خصوصية معينة، الامر الذي ادخل اللون في الثقافة والسياسة والاجتماع وحتى الدين، والذي أقتضى تنمية البحث في هذا المجال الواسع في أكثر من حقل معرفي، وكل منها يقارب الموضوع من زاويته.
حري بالذكر، ان خيارات الانسان وموقفه من الالوان تختلف من مرحلة عمرية الى اخرى، لذلك يحتاج الى تجربة ما لم يألفه من الالوان التي يتصور انها الوحيدة التي تلائمه..
اتمنى ان تكون هذه الاضاءة قد لامست زواية لم تقاربها يد البحث كثيراً.