د. حسين القاصد||
في خطوة غريبة من نوعها، ومفاجئة جدا، أعيد تفعيل العمل بوزارة الثقافة والإعلام؛ وهو ماكان معمولا به أيام هيمنة النظام الساقط على كل مفاصل الرأي العام والوعي المجتمعي.
كانت حاجة النظام الدكتاتوري الساقط لتدجين الثقافة ضرورة ملحة لتوجيه وتوحيد الرأي العام، وفق ما تريده الماكنة الصدامية من دعم للحروب العبثية ومن تعزيز قبضة الدكتاتورية؛ حتى أن الوزارة كانت في مرحلة من المراحل وزارة الاعلام وكانت للثقافة مديرية اسمها مديرية الثقافة تابعة لوزارة الإعلام.
وكان وزير الاعلام يستبق الطاغية المقبور ليقدمه بمقدمة مطولة ثم يأتي دور الطاغية ليقول ما يريد. وكان من واجبات وزير الاعلام أن يظهر في مؤتمرات صحفية ناطقا باسم الحكومة، شارحا خطواتها، وموضحا كل طارئ سياسي وهو ماكان يفعله واشتهر فيه، أيما شهرة، محمد سعيد الصحاف .
بعد سقوط النظام الساقط، تحررت الثقافة من سطوة الإعلام وصار للإعلام مؤسسة ضخمة اسمها شبكة الإعلام العراقي؛ أما الثقافة فقد استقلت بوزارتها قبل أن تدمج مع السياحة.
لكننا فوجئنا قبل أيام بتكليف السيد وزير الثقافة بمهمة الناطق باسم الحكومة، وهي الحكومة الأكثر استبدالا للناطقين باسمها على الرغم من قصر عمرها.
وقبل أن نتساءل عن عودة وزارة الثقافة والإعلام إلى الواجهة من جديد، فوجئنا بمهرجان الواسطي السنوي للفن التشكيلي، والخبر يقول إن السيد وزير الثقافة افتتح المهرجان نيابة عن السيد رئيس الوزراء!!؛ والمهرجان للفن التشكيلي وهو يخص وزارة الثقافة ومن صميم عملها، فهل يسري الأمر على مهرجان المربد الشعري وباقي فعاليات الأدب والفن؟ ولماذا ينوب الوزير عن رئيس الوزراء؟ هل المهرجان تابع لمجلس الوزراء أم من مهام الناطق الرسمي باسم الحكومة بصفته ناطقا لا وزيرا.
الوزير له أن يفتتح المهرجان بصفته وزير الثقافة وله أن ينقل تحيات رئيس الوزراء، لكن أن تعود الثقافة اعلاما سلطويا فهذا تأسيس جديد نخشى عواقبه.
ونخشى أن تتداخل التصريحات وتلتبس بين ماهو وزاري تابع لوزارة الثقافة وبين ماهو حكومي تابع لناطقية الحكومة. لا نريد للثقافة أن تعود اعلاما حكوميا؛ فمنابر اعلام الحكومة كثيرة ومتنوعة؛ ومن حق المثقفين أن يتحرروا من القرار السياسي ولو قليلا، وكيف يتسنى لهم ذلك ووزيرهم ناطق باسم الحكومة؟ وكيف للمثقفين أن يطلبوا بيانا تضامنيا مع الشعب اليمني وقد سبق لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق أن أصدر بيانا أدان فيه العدوان السعودي على اليمن، فهل تستطيع الوزارة أن تنطق عن المثقفين إذا كانت الحكومة غير راغبة في ذلك، والناطق باسمها هو وزير الثقافة؟ ولماذا كل هذا الاحراج وزج الثقافة في ما لايعنيها، ترى لو شاءت الحكومة أن تكلف الناطق الرسمي بتعزية إيران في حادثة اغتيال العالم النووي، ماذا سيكون رأي المثقفين في بلد متعدد الآراء ومتنوع المواقف؟
دعوا الثقافة للثقافة ولكم أن تتفرغوا للإعلام، كي لايجد المثقف نفسه، مرة أخرى، في وزارة الثقافة والإعلام.