زينب فخري||
شرع المهتمون بالشأن التربوي وبالعالم الافتراضي بتداول مصطلح "التربية الرقمية"، لتصبح موازية للتربية الاجتماعية في العالم الحقيقي؛ ولتكون مواكبة للتطورات التقنية للاستفادة منها معرفياً وثقافياً، وكذلك تسعى إلى تأسيس قاعدة بيانات تسمح للأبناء بالولوج في العالم الافتراضي بكشف جوانبه السلبية وسبل الوقاية منها.
ولعلَّ الجميع متفق أنَّ وسائل الاتصال الرقمية أفرزت سلبيات جمَّة ناتجة من سوء التوظيف والاستخدام لهذه الوسائل، أثرت على سلوك المستخدمين وقيمهم وأنماط تفكيرهم وفي الوقت نفسه لا يمكن الاستغناء عنها؛ فهي أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا لاستخداماتها الكثيرة في الاتصال والمعرفة فضلاً عن سهولتها في الاستعمال ممَّا جعلها متاحة لكلّ الفئات العمرية.
وهنا تكمن أهمية التربية الرقمية باعتبارها القواعد المنظمة للعلاقة بين العالمين: الافتراضي والواقعي، فهي تستند على المهارات وبرامج توعوية كمنهج سلوكي عند التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة. الأمر الذي يتطلب من المربي إلمامه بالمعلومات التكنولوجية لتطويعها في برنامجه التربوي، وهنا يبرز دور الأب والمعلم والمربي الرقمي المتميز القادر على تحويل البيئة الاجتماعية والتعليمية التقليدية الى بيئة تقنية محفزة للبحث والتعرف على المفاهيم العلمية الجديدة؛ وبذلك تتحول هذه التكنولوجيا إلى أداة مفيدة اجتماعياً وتربوياً، أي أن مهام الأسرة والمدرسة والجامعة قد اتسعت كثيراً لتشمل بيان أخلاقيات التعامل مع العالم الرقمي، وتحصينهم من سلبياته كانتهاك الخصوصية والآداب العامة والجرائم الرقمية والابتزاز الالكتروني وهدر الوقت والتأثير على مستوياتهم الدراسية، كذلك الكشف عن مميزات هذا العالم لاسيما في العلم والمعرفة والترفيه والعلاقات ضمن الحدود الشرعية والتقاليد العرف، بل يمكن من خلال التربية الرقمية الارتقاء بالواقع التعليمي بتشجيع الأبناء بالتعلم عن بعد والانتفاع من هذه الميزة المتاحة في العالم الرقمي.
كما تتيح التربية الرقمية للآباء التواصل مع أبنائهم ممَّا يعزز علاقتهم مع بعض، وستسهم هذه العلاقة التقنية حتماً بإزالة نظرة بعض الأبناء أن آباءهم خارج دائرة التطور التقني والمعلوماتي؛ ولا يخفى أن إحساس الأبناء بالتفوق التقني على الوالدين يجعلهم ينفرون من أساليب التربية التقليدية باعتبارها -بنظرهم- أصبحت منقرضة ولا تواكب احتياجاتهم العصرية. لذا أصبح من الضروري أن يدمج المفهومان التربية القديمة والحديثة لتنتج (التربية الرقمية)، المواكبة لعصر التكنولوجيا بمتغيراته ولتكون أكثر مرونة وقابلة للتطبيق، وأن تضع ضوابط تجعل الأبناء يستخدمون وسائل الاتصال في الحدود التي لا تؤثر على حياتهم خارج العالم الافتراضي مع ضرورة أن يتمتع المربي بدرجة عالية من الوعي ليتمكن من تغذية عقلية هذا الجيل بالقيم والتقاليد والثقافة التي يحتاجونها في ولوجهم للعالم الافتراضي ويحدد لهم المسارات الأمنة اجتماعياً وثقافياً ومعرفياً.
لكن ما يؤشر هنا، ويعدّ تحدياً كبيراً للتربية الرقمية، هي أن بعض الأسر غالباً ما تفرض قيوداً ومراقبة شديدة ومستمرة على الأبناء عند استخدامهم الرقمي، وأحياناً يصل إلى حرمانهم كلياً من هذه الأجهزة، واطلق على هذا الحرمان بـ"الإقصاء الرقمي والاجتماعي المستحدث"، معللة تصرفها بخشيتها من الآثار السلبية لهذه الوسائل (الايباد والهواتف والحواسيب) التي لا يمكن تداركها بسهولة لاسيما على المراهقين والأطفال بل حتى على الشباب الذي قد يصل عند البعض إلى الإدمان (كما في الألعاب فضلاً عن السهر). والحقيقة من الضروري أن تدرك الأسرة أن الأساليب التربوية التقليدية بحاجة للتأطير بأساليب حديثة تتناسب مع عصر التكنولوجيا لاستثمار هذه التقنية بنحو أفضل وتحقيقاً للأهداف التربوية المرجوة وإلا ستصبح التربية سلبية إذا فقدت قدرتها على ادراك التطور الرقمي وبشكل موازي له.
ويبقى التساؤل هل ستنجح التربية الرقمية بأن تكون موازية للتربية الاجتماعية في ظل تحديات أهمها تمسك العوائل باختيار "الإقصاء الرقمي" وادمان الأبناء على تطبيقات وألعاب العالم الرقمي؟!
ــــ
https://telegram.me/buratha