المقالات

الحشد استراتيجي وازدواجية الشارع السياسي العراقي

1599 2020-10-20

 

كندي الزهيري||

 

"الحشد " ظاهرة شغلت الكثير من المتابعين اعلامياً وسياسياً محليا واقليميا  ودوليا ،لكنها ماتزال تشغل اهتماماً أقل في مجال الدراسات المنهجية مكثفة  في جانبيها الاجتماعي والعسكري.

هل كان المجتمع العراقي مهيأ لاستنهاض هذه الأعداد الكبيرة من المتطوعين في هذه السرعة  ؟ وهو المنغمس في حروب متواصلة لم تنقطع منذ عقود والنار مشتعلة في هذا البلد  ؟ كيف تجاوز العراقيون احباطاتهم ونكباتهم واليأس ؟ وماهي المرتكزات التي استندوا إليها في نهضته  ؟

لاشك انها أسئلة تحتاج الى دراسات تتعلق ببنية المجتمع العراقي ذاته ومزاجية ،ورؤية التشكّل النفسي والموروث المستمد من عوامل يلعب التاريخ الشفاهي المتناقل والمتراكم والمتغير  ، الذي يظهر ويتكثف بما هو خارج المتوقع والمألوف  أو هكذا يبدو أن صح التعبير،  فتتحول المفارقات الى بداهات تترك تأثيرها الفاعل في مسار الأحداث فتعزز روح  الحماس في شعب يأس .

 قبيل ظهور داعش ، كان يشير بأن المجتمع العراقي بات مهيئ للهزيمة والاستسلام ، والثمرة الضغط فأصبح  جاهزة للقطاف والرضوخ  ، فقد توالت الضربات الإرهابية ، ولم يبق سوى ظهور تنظيم أكثر قوة وقدرة وادارة   ، يجمع الحصيلة النهائية ويستثمرها في "دولة" تفرض سيطرتها بشكل مباشر على شعب  وحضارة   عمرة  اكثر من ٧الاف سنة  يحاول التربع  على عرشها  .

يحتوي المجتمع العراقي على خاصية يمكن تسميتها "الانفلات" ويطلق عليها في علم السياسة "قلب الطاولة " انه من تلك المجتمعات صعبة التوقع في ردود أفعالها وقرأتها وان كنت  بالقرب منها لكون هذه شخصية متمردة لا يمكن  ان تسيطر عليها ، وقد وقع في خطأ كل من حاول تأطير ذلك المجتمع في نمطيات  جاهزة .

مشهد غرائبي ذلك الذي حصل صبيحة العاشر من حزيران وما تلاها ، فأقصى ما توقعته القوى المعادية التي كانت مستعدة للتعامل  مع دولة ما يسمى " الخلافة"  ، جيش لم يكمل بناءه بعد ، منخور بالفساد واللافاعلية ، وقوات شرطة محلية مخترقة  وضعيفة  يمكن التأثير عليها وتفكيكها ، ومن ثم ينكشف العراق ولن يبقى له ما يقف بوجه تنظيم معبّأ ومدرب جيداً على يد اكثر الاجهزة الاستخباراتية في العالم  وهي الموساد  والمخابرات البريطانية والأمريكية ، يقوده ضباط برتب عالية ، ويحظى بدعم مالي وبشري بلا حدود من دول اقليمية ومحلية وعالمية ، لذا "فالنصر" كان مضموناً ولا شك فيه  حتى ذهب بعض الدول إلى رفع الخارطة العراق من العالم  .

تلك حسابات بدت واقعية في الأيام الأولى للاندفاع الداعشي ، لكن؟؟؟.

تظهر "لكن " هنا ليس بكونها أداة استدراك ، بل نقطة تحوّل في حياة مجتمعات وبلدان ، كان مقدّراً لها ان تسقط بيد داعش ، فيما لو ثبتت "دولتها " في العراق وطبقت شعارها "باقية وتتمدد".

النقطة الحرجة تمثلت بوصول داعش الى تخوم بغداد ،ولم يعد في الوقت متسع لأي نوع من التردد فأصبح الشعب بين "اما أو" ، فاندفعت جموع المتطوعين كما في مشهد "سوريالي" ممزوج بواقعية شديدة ، لتقيم جدار صدّ أثبتت الوقائع اللاحقة ان اختراقه لم يكن في المتناول .

في نكسة حزيران 2014  احتلت داعش  ثلث الاراضي العراقية، وتراجع الجيش العراقي بل يمكن القول انه انكسر انكسارا شديداً في المحافظات الغربية .

لم يستطع العراق الحصول على اي دعم عسكري من اي دولة بما فيها امريكا واوربا والدول العربية وكان عدم الاكتراث من قبلهم سيد الموقف بل ان كثير من الدول العربية استبشرت خيرا بذلك ،هنا كانت وقفة مشرفة وعظيمة من الجمهورية الاسلامية حيث فتحت مخازن السلاح الايراني امام القوات المسلحة العراقية وارسلت افضل وامهر مستشاريها العسكريين والامنيين الى العراق، وقاتلوا الجماعات الإرهابية واحبطوا المؤامرة الأمريكية في آن واحد. بل استشهد عدد من مستشاريها في معارك تكريت والموصل وغيرها  .وبدلا من ان تمد السعودية وقطر والامارات وغيرها من الدول العربية يد المساعدة للعراق وترسل جيوشها او سلاحها لمساعدة العراقيين راحت تساعد هذا التنظيم الارهابي ماديا ومعنويا واعلاميا .هنا تدخل صمام أمان البلد كأنما كلمة "سرّ" كبيرة الوقع ،تلك الفتوى التي صدرت من المرجعية ، ونبّهت الى مقدار "القوة الكامنة" في المجتمع العراقي ، وسواء كانت الفتوى هي الدافع ،أم كانت الشرارة التي أطلقت ما هو كامن اصلاً ، فالنتائج كانت شديدة الوضوح .

●هل كان مقدراً لتلك الفتوى أن تسجّل النجاح ذاته لو انها اطلقت في مجتمع آخر ؟ ذلك ما يحتاج تبيانه الى دراسات متأنية ،لكن ما يمكن قوله ان استجابة المجتمع العراقي تجاوزت أكثر التوقعات تفاؤلاً ،فابتدأت المفارقات تتخذ شكلاً معكوساً .

، الشعب الذي بدأ منهاراً ومتشكياً ويائساً  بل ومستسلماً لأقداره  كشف فجأة عن "مارد" أسطوري ظهر من اعماق شخصية الفرد العراقي  المحيرة ، كان يكفيه استخدام جزء من تلك القوة الكامنة ،ليقيم في البداية ما يسمى " الدفاع التكتيكي " ينتقل بعدها الى تحقيق التكافؤ العسكري ،ثم الى "الهجوم الاستراتيجي " الذي انتهى بهزيمة داعش وتحرير المدن والمساحات التي تمدد فيها .

تلك الميزة الأولى التي سجلتها تجربة الحشد الشعبي اختلافاً عن تجربة حركات التحرر في العالم ، فتلك الحركات مارست الحرب الشعبية وعمليات المقاومة ضد جيوش نظامية معروفة الحركة والتجمع ، لكنها لم تخضّ القتال مع عدو من هذا النوع امتلك الخصائص التالية :

 1- الحاضنة الاجتماعية كانت داعش قد مهدت لظهورها بحملة تحريض منظّمة في وسط اجتماعي صوّر له عن "المظلومية" والتهميش التي مارستها حكومة يقودها "خصم مذهبي "  ،وتم تصويره باعتباره "مغتصباً " لحكم بلد وأرض ليس من حقّه ان يحكمها ، وكانت مقولة من نوع "لا ولاية لشيعي على سني " .

٢- الجغرافيا المقاتلة ظهرت داعش في منطقة جغرافية شاسعة تعرفها جيداً ، وبالتالي تجيد استثمارها والتحرك فيها بحرية ،ذلك ما يقدم لها عوناً ميدانياً ولوجستياً مكّنها من اقامة الكمائن المتنقلة ورسم خطوات القتال وفق بيئتها.

3- الدعم البشري واللوجستي ، لم يسبق لتنظيم مسلح أن حصل على مستويات من الدعم المباشر وغير المباشر بمثل ما حصل عليه داعش ، بدءاً سيل الانتحاريين والانغماسين القادم من العشرات من البلدان القريبة والبعيدة .

لكن داعش ارتكبت أخطاء قاتلة جعلت هزيمتها ممكنة بل حتمية ، فكيف حدث ذلك ؟؟ وكيف استغل الحشد تلك الأخطاء الداعشية ؟.

قدم الحشد في سلوكياته القتالية ، نمطاً مختلفاً من الأخلاقيات التي قلما شهدتها الحروب ، ما جعل الناس تقارن بين قسوة داعش ووحشيتها ، وبين نبل الحشد وانسانيته ، فمالت الكفة تدريجيا لصالح الحشد اجتماعياً وقتالياً .

استخدم الحشد تسميته ( الصبر الاستراتيجي ) وهي :

- الدفاع الاعلامي :في هذه المرحلة ،حاول الاعلام المقاوم ،تركيز نقاط دفاع .

- التوازن الاعلامي : عملت نقاط الارتكاز المقاوم ، بهدوء نسبي ودون ان تقع في حبائل واساليب الاعلام المعادي .

- التوازن الاستراتيجي :  كشف سلسلة من الأكاذيب التي اطلقها الاعلام المعادي ، ومن ثم كشف أهدافها ومقدار ما تحمله من خبث وتحريض .

_ ملف الكاظمي :

المؤشرات تذهب الى ان الكاظمي ، لن يغامر يخوض مواجهة عسكرية ضد الحشد ، فهو يدرك خطورة ذلك في كونها مغامرة ليست مضمونة النتائج ،خاصة في ظرف تتراجع فيه أمريكا ،وهي مقبلة على تحولات قد لا تكون مهتمة بالكاظمي وحكومته ،كما كانت عليه ادارة ترامب .

لذا الأرجح ان يكتفي الكاظمي فيما هو عليه ،دون خطوات أخرى تزيد في التوتر ، لكن ينبغي عدم استبعاد احتمالات ان يرتكب الكاظمي تلك المغامرة ،بدفع وتحريض من مستشاريه ،والقوى المحيطة به ، وكلها تريد تصفية حساباتها مع الحشد ،خاصة على أبواب الانتخابات ،في محاولة لبعثرة او تشتيت حاضنته الاجتماعية قبل اعلان التطبيع...

ــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك