المقالات

كورونا والمشككون!

1365 2020-06-26

زينب فخري||

 

يبدو جلياً أنَّ الشكّ بوجود جائحة كورونا هو من مسببات ارتفاع عدد الاصابات في العراق إلى ما يزيد عن الألف يومياً فضلاً عن أسباب أخرى ذكرتها في مقال سابق. وغالباً ما يسوق المشككون الأدلة على صحّة أقوالهم، وأشهرها: "شفتوا بعينكم واحد مات؟!"، وقد يستندون في شكّهم إلى منشوراتٍ تصب في هذا المعنى، وبعضها تنسب إلى منظمة الصحة العالمية، أما بيانات وزارة الصحة وقرارات اللجنة العليا للصحة والسلامة فيعللونها بأنها لعبة سياسية متفق عليها؛ للسيطرة على الأوضاع الداخلية! وبنظرة تاريخية خاطفة يتبين أنَّ الشكاكين أو المنتمين للمدرسة الشكوكية موجودون منذ القدم، بل قد يكون الشّكّ لازماً للحضارة الإنسانية منذ بدايتها، وتشير دراسات فلسفية إلى مدارس شتى في الشكّ، يعود قسم منها إلى اليونانيين القدماء، ومدرستها الأولى سُميت بالشكوكية البيروية، نسبة إلى بيرو الأليسي الذي عاش بين عام 361 وعام 270 ق.م، والمدرسة الثانية تطورت في المدرسة الفلسفية التي أنشأها أفلاطون وكانت تعرف باسم الشكوكية الأكاديمية. واستمر تيار الشكاكين، وظهر بقوة في أوربا في الفترة (1564 – 1648)، ويأتي في مقدمتهم الفيلسوف الفرنسي المعروف "رينيه ديكارت" (1596- 1650) الذي يعدّ من أكثر الفلاسفة شكًا فيما يعرفه هو وتوصل إليه شخصيًا، ليكون الحل في نظر "ديكارت" للوصول إلى حقيقة بواطن الأشياء، هو عدم الإيمان بها، فكفر بكلّ ما توصل إليه من حقائق وقرر عدم تصديقها، حتى ولو كان مؤقتًا، باعتقاده أنه إذا استمر في الإيمان بها، فلن يعرف أبدًا إن كان على صواب أم على خطأ. ولم يكن "ديكارت" متأكدًا من أي شيء، سوى أنَّه يشكّ، ولهذا عدَّ نفسه يفكر، ثمَّ أنَّه موجود، ليكون ذلك المعتقد الأساسي له، ولعلم الفلسفة بشكل عام؛ فالشكّ عن ديكارت ليس إلا وسيلة لامتحان معارفنا وقوانا العارفة، ومنهجاً للوصول الى اليقين؛ ولذلك لا يعدّ الشكّ بالشيء السلبي، بل ثبت أنَّ الشكّ هو محرك الفكر الإنساني والتغيير الحركي أيضًا. لكن ماذا عن أنصار مدرسة الشكّ عندنا في زمن فايروس كورونا؟! ما يحدث هو انكار لوجود المرض، ومحاولة التشكيك بوجوده، لذا كانت الاستهانة بالإجراءات الوقائية على أشدّها لاسيما في المناطق الشعبية، فما أن تسأله "أين الكمامة والقفازات؟" حتى يجيبك مستهزأ: "ياكورونا: شفت واحد مصابّ بكورونا؟ّ"، فالمشكك هذا قد يقتنع بوجود الفايروس بعد إصابة العالم بأسره، أو بعد اصابته شخصياً وحتى ذلك الحين يقيم الأعراس، والولائم، والحفلات الغنائية المستلهمة من عصر "كورونا" كتحديث لأغاني "القطار السريع والعالوجة" فضلاً عن إقامة المآتم، وتنظيم الزيارات الاجتماعية، والتنزه بالأسواق المزدحمة، والاجتماع عند المقاهي العامرة بالأركيلة، واكتظاظ الأحياء بالصبية! إنَّ ادعاء مجموعة من أي فئة كانت، بعدم وجود الجائحة، في أوَّل أيامها وبادئ الأمر، لا بأس به، ما دام شكاً منهجياً يوصل للحقيقة ومعرفة بواطن الأمور، لكن الذي يحدث بقصد أو دون قصد وطوال الفترة الماضية تكرار أقوال ومنشورات تدعم توجهه الشكّي، وكان يجدر بهؤلاء المشككين إجهاد أنفسهم قليلاً، والذهاب إلى المستشفيات المتخذة كمواقع للحجر الصحي أو المستقبلة للمصابين بالفايروس كمدينة الطب ومستشفى ابن الخطيب. إنَّ التمرد على التعليمات وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي في هذه المرحلة الحرجة بحجة الشكّ بالجائحة، وطلبهم الدليل يمثل شكاً سلبياً لا يغير شيئاً بقدر ما يوفر التبرير اللازم لممارسة أفعالٍ  قد تؤدي إلى إهلاك النفس والآخرين. والحقّ يقال لقد أثار سلوك هؤلاء وأقوالهم مقاربة بينهم وبين "الملحدين" (الذين لا يعتقدون بوجود الآلهة)، فغالباً ما يطالب الملحدون عند مجادلتهم بدليل أو رؤية الله جهرة، وهؤلاء لا تقنعهم "البعرة تدلّ على البعير.. والأثر يدلّ على المسير"، ولا ترضهم نظرية دفع الضرر المحتمل، فهم لم يجدوا في الأدلة ما يرتقي بهم بعيداً عن مستوى الشكّ!  وختاماً أقول بفضل المشككين بفايروس كورونا وجدتُ العذر للملحدين، وأجدُ أنَّ شكهم ايجابي في البحث عن الأدلةٍ ومناقشتها، على الرغم من أنَّ رحلتهم الاستقصائية قد لا تفضي بهم إلى بلوغ السلام النفسي؛ لعظمة الغاية مقارنة بالمشككين بكوفيد 19 الذين لا تفصلهم عن مستشفيات الحجر الصحي سوى مسافات قليلة!
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك