د.محمد العبادي ||
كل تفاوض أو حوار لا يعني الوصول إلى نتيجة فقد علق أو توقف التفاوض مع امريكا في أكثر من مرة وحسبنا ان نشير إلى كوبا وكوريا الشمالية في تفاوضهما العقيم مع امريكا .
في تجربة ايران يوجد اكثر من درس عملي ؛ فالوفد الايراني المفاوض لا يتم اصطفائه من بين الدبلوماسيين لكونه محسوب على السلك الديبلوماسي ولديه خبرة في العمل في الخارجية الايرانية كسفير أو مبعوث وفقط بل يتخطى ذلك إلى معايير اخرى ؛ فمثلا كان الوزير محمد جواد ظريف مفاوضا ممتازا ويملك خبرة لأكثر من (٢٥) عاما وكان ملما بالثقافة الأميركية وبالمفاوضات متعددة الأطراف.
لقد كانت ولازالت الخارجية الايرانية تعيش في حالة استنفار وكأنها في حالة حرب ، ودخلت في كثير من المفاوضات مع أكثر من طرف دولي أو إقليمي الأمر الذي أدى إلى تراكم الخبرة لدي المفاوض الإيراني هذا مضافا إلى أن أكثر أعضاء السلك الديبلوماسي هم من حملة الشهادات العليا التي لها صلة بالعمل في وزارة الخارجية مثل القانون الدولي - العلاقات الدولية - الجغرافية السياسية و..و..الخ .
إذن المفاوض الإيراني كانت مواصفاته تتعدى العمل كموظف أو سفير في الخارجية إلى معايير أخرى مثل ممارسته وفنيته في التفاوض ، وقدرته على التشخيص الدقيق ، وقدرته على الابتكار والاستنتاج ، والتزامه بالثوابت الوطنية ، واستشرافه للنتائج وغير ذلك .
لقد تفاوضت ايران بصلابة حتى على جدول أعمال المفاوضات أو وثيقة العمل ، ولم تسمح في أثناء التفاوض بان تدخل الى موضوعات جديدة على أصل الموضوع محل الأخذ والرد في جدول الأعمال، كما أنها لم تناقش أكثر من موضوع أو موضوعين في اثناء جلسات التفاوض ، ولقد حاول المفاوض الأمريكي ان يحشر موضوع سوريا ، لكن المفاوض الإيراني قطع عليه الطريق بالتركيز على الموضوع الأصل. كما أن ايران كانت تشك في الموضوعات التي يتشدد فيها ان لا تخرج الإعلام.
وكانت تنظر الى موضوع الملف النووي الإيراني بانه يمثل مصلحة وطنية ، ولذا لم تنحصر مناقشة هذا الموضوع وتقريره في وزارة الخارجية الايرانية فقط ؛ بل تعدى ذلك إلى مناقشة خطواته في أكثر من مؤسسة رسمية مثل اللجان المختصة في البرلمان الايراني ك( لجنة العلاقات والسياسات الخارجية ولجنة الأمن والدفاع واللجنة القانونية ) ، وتم مناقشته في مجلس الأمن القومي الإيراني وايضا مناقشة بعض بنوده وفقراته في مجلس تشخيص مصلحة النظام ، بل حتى ان بعض الموضوعات تطلبت اخذ استشارة وتحليل بعض أساتذة الجامعات كالدكتور ايزدي ، والدكتور صادق خرازي واضرابهم من أعمدة الرأي السياسي ، ومن وراء كل ذلك توجيهات قائد الثورة ورسمه للخطوط العامة .
ان تلك المشاركة الواسعة لأكثر من مؤسسة رسمية ومدنية في ايران لبلورة الموقف والنتيجة تعكس مدى اهتمام ايران بمصالحها الوطنية .
ومع كل ذلك يستدرك على الموقف الإيراني في التفاوض حول البرنامج النووي بنقطتين جديرتين بالاهتمام والتأمل :
النقطة الأولى: ان البرلمان الإيراني اكتفى بالنقاشات او الإصلاحات والتقريرات التي قامت بها اللجان البرلمانية المختصة ، ولذا لم يستغرق النقاش مع كافة نواب البرلمان سوى (٢٠ ) دقيقة فقط ، ومن ثم قررت هيئة الرئاسة ان تبدأ عملية التصويت . ولذا اعترض عدد من النواب على ذلك كالنائب حميد رسايى ، والنائب علي أصغر زارع وغيرهم ، لانهم يعتقدون أن بنود الاتفاق توجد فيها بعض النتؤات ، وهي بحاجة إلى أن تأخذ حقها من المناقشة ، وقال قائل منهم ان هذا التوافق فيه أكثر من (٢٠٠) مؤاخذة بحاجة إلى الإصلاح، لكن هيئة الرئاسة لم تسمح بالمناقشة بأكثر مما تم في اللجان المختصة .
النقطة الثانية : فات على المفاوض الإيراني ان يحضر معه أو يرافقه أثناء جلسات التفاوض مثل بعض المختصين في الأمور الاقتصادية والمالية وحتى الفنية ، واكتفى بان يقوم المستوى السياسي بمناقشة المسائل الاقتصادية والمالية والفنية ؛ مما سبب بعض المعوقات والمشكلات لاحقا .
على كل حال فإن أمريكا لا تملك مقاليد السموات والأرض ، بل هي اليوم تعاني من مشكلات اجتماعية وسياسية وحتى اقتصادية عميقة ، وهي عاجزة ولاتستطيع حل مشاكل الآخرين أو تبعث فيهم الحياة ؛ وكل ماتستطيعه هو ان تكفيكم شرها وعقوباتها فقط ، ولقد قال هذه الحقيقة الديبلوماسي الأمريكي السابق روبرت فورد ، والذي شارك سابقا فيما يسمى ب ( الإطار الإستراتيجي ) حيث قال : ( لا يمكن لواشنطن أن تعطي المال ، يمكنها فقط ان تعرض على عدم تطبيق عقوباتها )!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha