المقالات

 ((3)) مشهدٌ من أيّام حزب البعث العراقيّ..!


 

◾محمّد صادق الهاشمي

 

رسالتي إلى كلّ الذين يتباكون على حقبة صدام حسين ، أكتبها على عجالة؛ لأنّ حقبته تحتاج إلى مصنّفاتٍ بعمر كلّ لحظة حكم بها العراق.

كنّا في السجون في أيّام حكم الطّاغية الذي كان مصداقا لقوله تعالى : {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] .

كانت الدنيا كلّها توحي بالخوف والهلع والقتل ، فالناس تموت في جبهات حرب خاسرة ، يساقون إليها سوقا ، وجنائز وافدة من تلك الحدود ، وجنائز أخرى من أتية من خلف تلك القضبان والمعتقلات الكئيبة التي تفوح منها رائحة الدم والجريمة .

نحن جيل منّا مَن استشهد رميا بالرصاص – الذي على أهلينا أنْ يدفعوا ثمن الرصاصة التي اخترقت قلبه ونزفت لها روحه إمعانا بالإذلال - ، ومِنّا مَنْ شُنق بالحبال ليبقى لساعات يتأرحج على المشانق ، ومِنّا من دُفن حيّا ، ومِنّا من ذاب في التيزاب، ومنّا من أُطعم للسباع وهو حيّ ، ومنّا ، ومنّا ...

لقد كانت أيّام(( قائد الضرورة وحزبه)) عبارة عن صفحاتٍ من الجرائم المتنوّعة بما تشهد عليه مقابرنا الجماعية ، وسوق وزجّ الشّباب في حروب خاسرة واعتقالات واسعة، و تهجير الآلاف من شرفاء المجتمع العراقي من شيعة آل محمّد (صَ)، وتجفيف الأهوار ، وحرق مدن بكاملها ، وتجريف البساتين على شيعة و(أهالي بلد)، وسوقهم إلى سجون «نكرة السلمان»، وإبادة مدن من إخوتنا الكرد بالكيمياوي ، والإعتداء عليهم بما يمثّل أكبر الجرائم في تاريخ الانسانية ، أعني ( الأنفال) ، ,اعتقد أنّ اللسان ليعجز أن يعدد جرائمهم فإنّها فاقت عن التعداد ، وما يكون لبشر لم يكن قد عاصر تلك الحقبة أن يصدّقها

ولكنّ كلّ هذه الجرئم التي لم يسلم منها البشر ولا الحجر ولا النبات نجد هناك من يمجّد هم  في وسائل الإعلام ، والأقلام وبعض الشّعراء المأجورين ، فلا زلنا نسمع : «أنّه بطل العروبة» ، «بطل القادسية ».

وكانت الآلاف تقف مرحّبة به خشية الموت الأحمر الزؤام لمن تلحظه العيون لا يهتف:  «

يبو رِجل الذهب ... يمحبوب الشّعب

يفنان العرب... مية هله بيك

هلا بيك هلا .....وبجيتك هلا

وكانت أجهزة القمع والموت تقف بالمرصاد لمن لم يخرجْ هاتفا بذلك ، فيكون الحكم عليه أنّه خائن للوطن خيانة كبرى ، ومطلوب للعدالة ، فكان يراد من هذا الشّعب المغلوب على أمره أن يعلن الولاء ويقول له المصفّقون :

العزيز أنت يشمعتنا واهلنا ...يا هيبة بيتنا وقائد وطنّا

وكان الطّاغية يريد أنْ يسمع مدحا ؛ لأنّه يعيش عقدة تاريخه الواهن وانحطاط أسرته وشرف أمّه ، ليصدق ما يقوله له المادحون .

كان صدام وحزبه يمارسون الجريمة بكلّ أعصاب باردة ، ففي الوقت الذي يساق الشّعب إلى الجبهات والسّجون وغيرهما تجد وسائل إعلامه تغطّي الحفلات الرّاقصة  الصّاخبة في «قناة بابل» ، ويتعالى مدح الشّعراء له حينما يقوم بزياراته الاستهتارية للمدن أو يطلّ بوجهه القبيح عبر شاشات التلفاز، ففي اليوم الذي أعدم فيه المفكّر الاسلامي الكبير السيد الشّهيد محمّد باقرالصدر كان  صدام يحضر مهرجان الرّبيع في الموصل ، وتغنّي له المومسات  وترقص الرّاقصات (حياك يابو حلا) وهو يكشّر عن أنيابه ضاحكا بكلّ برود ساخرا من أمة بكاملها .

 وفي اليوم الذي قتل في الأنفال (5) خمسة آلاف بريئاً كان الشّعراء يغنّون ويتغنّون بلا شرف بأمجاده وإنجازاته وبطولاته (... صدام يا عزّ العرب...).

وفي اليوم الذي أعدم فيه أسرة آل الحكيم كان الشّاعر يخاطبه :

   سيّدي للكوت مامرّيت                         وأهل الكوت بجيتك تحلم.

نعم كانت تلك الأيام أيّام سوداء  علينا ، عُدم فيها الأمن ، والأمان، على كلّ شريف ، فلا قيمة للحياة ، ولا خيار للشرفاء سوى الموت أو الذّل والتصفيق، كان الشّرفاء  والعلماء والمؤمنون والذين يرفضون هذا العتلّ الزنيم  هم المخرّبين ، والعملاء ، والخونة ، بحسب نظر هذا المجرم الذي لو أُريد للجريمة والانحطاط أن يتجسّد لكان صدام حسين وحزبه، وكان فينا كما كان فرعون في بني اسرائيل : {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

وأنا وأسرتي وأخوتي وأبناء عمومتي كنّا قد حُكم علينا بأننا من الخونة والجواسيس بعرف صدام وجريمتينا لأننا  أناس لا نرضى بالباطل ولا نصفق لحفنة وحثالة مثّلت الجريمة وجثت على صدر الوطن بكل قيمه.

نعم كانت تلك الأيام أيّام خير لكلّ منحطّ ووضيع وساقط ، وقد قالها موسى (عَلَيهِ السّلامُ) : {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ!!} [الشعراء: 22] ،

 أي هل أنّك تعتبر نفسك - يا فرعون - منعماً علينا أنْ جعلتنا عبيدا عندك !!! .

أقولها لكم أخوتي وأبنائي : لا تسمحوا لهم بالعودة.

3 / شهر رمضان المبارك 1441

ــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك