المقالات

الشقشقة الشيعية السياسية


محمّد صادق الهاشميّ

 

من يراجع تاريخ القوى السياسية الشيعية التي تحكم العراق اليوم، وتمثّل الشيعة في العراق في هذه المرحلة ، يجد أنّ تاريخها كان مطبوعاً في أيّام مهجرها بطابع النّزاعات والخلافات, وكانت العقبة التي لم تتمكّنْ من تجاوزها،  هي الصراعاتٌ والتباينٌ في المواقف، تلك أمراض مزمنةٌ بليت بها الحركات الإسلامية وقادتها ، ولا زالت تلازمهم إلى يومنا، ولم يوفّقوا للشفاء منها، فإنّ مَنْ يراجع تاريخ الحركة الاسلامية يجد خلال تواجدهم في المنافي مصداقاً لقوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} ، كانوا تضاريس معقّدة، وزوايا حادّة، وآراء متقاطعة، لا يمكن حتّى لقيادة الجمهورية الإسلاميّة من أنْ تجمعهم على رأيّ مع كُلّ الجهود التي بُذلتْ، فاختلفوا وتنافروا وتخاصموا وتشاتموا وتبادلوا التُّهم، فاستغلّ «صدام حسين» خلافهم حينما وجدهم مفككين، وكانت – حسب الوثائق – مخابراتُه ترصدُ تلك الخلافات، وتقيّم لصدام فشل القوى الإسلامية، ممّا جعله مُدرِكاً أنّهم أوهن من بيت عنكبوت، وأدنى بمراتب كثيرةٍ من أنْ يتمكّنوا من إسقاط حكومته.

 إنّ مَنْ يراجع تاريخ تلك المرحلة  يجد ركاماً من الوثائق التي توثّق خلافاتهم، ولا يجد ورقةً واحدةً تكشفُ عن اتفاق، بل ولا مشروع وحدويّ حقيقيّ طبق على الأرض ، فانشطرت الحركة الاسلامية إلى حركاتٍ وقياداتٍ،  وانشطرت الأحزاب إلى أحزاب متعددة، وتكاثرت تكاثراً أميبيّاً، وكلّما جاءت حركةٌ لعنت أختها .

 أمريكا هي الأخرى أدركت حجم الخلافات التي تحكم مسيرة المعارضة، وتشلّ حركتها، وجعلتها تدور في حلقةٍ مفرغةٍ فقدّمت نفسها منقذاً للشعب العراقيّ، وبديلاً عنها، بعد أنْ تعرّفت على عجزها عن تقديم أيّ مشروع لإنقاذ العراق.

وقد اختبرت أمريكا واقع ومستوى ضعف هذه الأحزاب وخلافاتهم في مناسباتٍ عدّة حتى في مؤتمر لندن يوم ذهب البعض ليستظلّ بمظلّة أمريكا برعاية « زلماي خليل زلماي » بتاريخ 12 / 12 / 2002م ، نعم وجدتهم مفككين ومختلفين، ولا يمتلكون أدنى قاسم مشترك، ويفتقرون إلى أدنى جامع ورابط بينهم، أو رؤية موحّدة يتفقون عليها، وهذا أمرٌ واضح جليّ، لا نحتاج إلى إقامة دليل، ولا برهانٍ فما زالت الأجيال التي عاصرت خلافاتهم قيد الحياة، والحبر لمّا يجفَّ بعدُ.

لقد لعبت أمريكا على وتر الخلافات الشيعية بعد عام 2003م، فعلمت أنّ ذلك الخور والضّعف والخلاف والتّناحر لا زال فيهم في مرحلة الحكم، كما كانت في مرحلة المعارضة  والأسبابُ عديدةٌ، خلاصتها المغانم، والقيادة والحكم والسّلطة، ولولا تدخّل المرجعية، والجمهورية الاسلامية في الضّغط عليهم والتّنسيق بينهم ، واحثهم على تخاذ المواقف لما تمكّن شيعة العراق في ظلّ خلافاتهم من تحقيق أيّ مشروعٍ أو انجاز دستورٍ؛ لعدم توحّدهم على رؤيةٍ واحدةٍ، فما أنْ وضعت المرجعيةُ القوى السياسيةَ على سكّة الحكم حتّى عاد القوم إلى أصلٍ قد تجذّر فيهم، وعاد ذاتيّاً من ذاتياتهم ، ألا وهو الخلاف والنزاع الساكن في عقليتهم السياسية وسلوكهم العمليّ.

هذا هو واقع أحزابنا الشيعية القديمة والجديدة، فهي لم تمتلك مشروعاً متّفقاً عليه، ولا رؤيةٍ توحّد البيت الشيعيّ  وكان من المهمّ من أوّل يومٍ لتأسيس العملية السياسية أنْ يساوقوها ببناء رصين للبيت الشيعيّ,  وكم كان حالنا أفضل لو أنّهم بنوا مؤسسة « البيت السياسيّ الشّيعيّ » وفق نظام داخليّ، وآلية لاتخاذ القرار, وقد حاول المرحوم الجلبي في هذا الصّدد،  وأخفق في زحمة التدافعاتِ على حبّ الدنيا، والتهالك على المناصب، فاستعاض البيت السياسيّ بالكتلة الأكبر، ولكن خلافاتهم التي لازمتهم أنهكتهم وأنزلتهم إلى الفشل ، بحيث أنّ رئيس الجمهورية يعيّن رئيس الوزراء بدون الرّجوع إليهم، فأصبحوا في التقييم صفراً على الشمال، فقد فقدوا وزنهم السياسيّ ورصيدهم الشعبيّ.

نحن اليوم بعد مراجعة لتاريخ حراك الحركة السياسية وانحدار خطّها البياني نحو المنحدر، بسبب ترحيل سلوكهم السياسيّ المبني على الاختلاف والتدافع من المعارضة الى الدولة نجدهم في خصومةٍ أشدّ من أي وقتٍ مَضَى، فتحاول بعض القوى منهم أنْ تتصدّر المشهد السياسيّ لوحدها، وأخرى تحاول إعادة التوازن, وأخرى ترى التفاهم مع الموقف الدّوليّ ضرورةً؛ لإنقاذ  البلاد، وأخرى تقفُ ضدّها .

وخلاصةُ القول: لا قاسمَ مشتركٌ، ولا اتفاق ولو شكليّاً ، حتّى وصلنا إلى مرحلةٍ أعلنت المرجعيةُ عجزَها، فقالت: « لقد بحّت أصواتنا »؛ كون هذا الخلاف ألقى بظلاله على الخدمات تدنّياً, وكان ومازال سبباً لانتشار الفساد والمحاصصة والتوارث، ونمو سلطة الأحزاب بديلا عن سلطة الدّولة، وكانت المحصّلة خروج قرار رئاسة الوزراء الذي هو من حصّة التشيع بحسب الأعراف صار لغيرهم .

وهنا نقول : أيّها القادة، نعم إنكم قادرون على إسقاط أيّ مُكلّفٍ، ولكنّ التحدي الحقيقي قائمٌ في أنْ تختاروا بديلاً .

 ونقول لكم (وافهموها) : لا يمكن لأيّ حزبٍ أو شخصيةٍ أنْ تدّعي أنّها تمتلك قدرةً مركزيةً في القرار الشيعيّ ما لم يكون جهدها منصبّاً على  توحيد البيت الشيعيّ.

ونقول: لا يمكن إخلاء مسؤوليتكم عن التيه والضّعف والتدخّل في القرار من الاغيار في القرار  الشيعيّ فأنتم السبب في كلّ ما حلّ فينا من هوانٍ، فالتفرّق نتيجته الفشل كما هو صريح القرآن الكريم : {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وأنتم أقرب إلى من وصفهم أمير المؤمنين ( ع) بقوله: «... لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا،  وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا...».

 : 29/3/2020م .

ـــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك