المقالات

ما هو الحل؟ وكيف الخلاص من الفتنة؟  


ضياء ابو معارج الدراجي

 

وقد تنوّعت السبلُ الإلهية للتخلص من تلك الفتن، ويمكن معرفتها بالاطلاع على المراجع العامة التي حددتها الشريعة المقدسة، للتحفُّظ من الوقوع فيها بشكل عام، ومع ذلك فقد أوضحت بعضُ النصوص الشريفة سُبُلاً خاصة للتخلص من هذه الفتنة ذاتها.

وتقف على رأس قائمة أهم أنواع تلك السبل:

  1: التمسُّك بالقرآن الكريم  

وقد وصفت روايات المعصومين عليهم السلام كتاب الله المجيد بأنه (بيان من الفتن) وأنه عصمةٌ من الهَلَكة، وهو رُشْدٌ من الغواية، وأمَرَتْ بالتمسك به. ومن جملة ذلك: ما رواه العياشي في تفسيره عن الحسن بن موسى الخشاب رفعه للإمام الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: القرآن هُدىً من الضلالة، وتبيانٌ من العمى، واستقالةٌ من العثرة، ونورٌ من الظُّلْمة، وضياءٌ من الأحزان، وعصمةٌ من الهَلَكة، ورشدٌ من الغواية، وبيانٌ من الفتن، وبلاغٌ من الدنيا إلى الآخرة، وفيه كمال دينكم. فهذه صفةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار) (راجع تفسير العياشي/ ج1/ ص5/ ح8).

  2ــ التمسُّك بتقوى الله (عزّ وجل)  

ولبداهة هذه الحقيقة في حفظ المتقين من الوقوع بالفتن، فإنني أقتصر على بعض الروايات الشريفة التي أكدت هذا المعنى، منها: قال أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: (إنَّ مَن يتقِ اللهَ يجعل له مَخْرجاً من الفتن ونوراً من الظُّلَم).

وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج في التوقيع الشريف الذي خرج للشيخ المفيد أنه (عجّل الله تعالى فرجه) قال: (إنه مَن اتقى ربَّه من إخوانك في الدين، وأخرج ما عليه إلى مستحقيه كان آمناً من الفتنة المُبطلة ومِحَنها المُظلمة المُظِلَّة). (راجع الاحتجاج / الطبرسي / ج2/ ص325).

  3 ــ التمسك بأهل البيت عليهم السلام  

فهم سُفن النجاة، مَن ركبها نجا، ومَن تخلَّف عنها غرق وهوى، واللازم لهم لاحق، والمتخلِّف عنهم زاهق. وجاءت الروايات في هذه المعاني الجليلة متواترة تواتراً معنوياً لا مجال لاستقصائها في هذه العجالة، وإنما نسجل بعض الروايات التي ذكرت أن الرجوع إليهم هو صِمَام الأمان المنجي من الفتن، لأنهم عِدْلُ القرآن الكريم، ومفِّسروه، والحجة على الخلق، وقد عصمهم الله (عزّ وجل) من الفتن، وقد ورد كثيراً في زياراتهم عليهم السلام قول: (وعصمكم من الزلل، وآمنكم من الفتن). وليس معنى عصمتهم من الفتن أنهم لا يُفتنون ولا تُصيبهم الفتنة حسب. فهذا بديهي، لأنه من لوازم معنى (وعصمكم من الزلل) ومن بديهيات لوازم العصمة، وإنما معناه إضافةً إلى ذلك أن اتّباعهم أمان من الفتن فإن الفتن لا تقرب إليهم ولا تحوم حولهم. فلذلك سوف يعمّ الأمان كلَّ مَن يلوذ بهم وهم شيعتُهم.

  4 ــ التمسُّك بالعلماء  

روى الشيخ المفيد في الاختصاص بالإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:(المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خيرٌ من سبعين ركعة من جاهل؛ لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً) . (راجع كتاب الاختصاص / الشيخ المفيد).

ولِمَا يحصل عليه العلماء بشكل عام من موقع مهم في نفوس الناس لأنهم يحملون روايات أهل البيت عليهم السلام وعلومهم التي لها وَقْعٌ خاص في قلوب المؤمنين، فتجذبهم نورانية تلك العلوم والأخبار إلى أولئك العلماء، وكما أن لهذه الحالة بالاتباع إيجابيات صحيحة لنشر الهدى واتّباع الحق، ولكن هناك خطر كبير يحدق بأولئك المتَّبعين حينما يتبعون علماء السوء والضلالة والبدعة انخداعاً بكلامهم وأقوالهم التي قد يُدخلوا فيها كلام الحق وأحاديث أهل البيت عليهم السلام تضليلاً وإضلالاً للآخرين، ولذلك وجدنا أهل البيت عليهم السلام بعدما أكدوا على الحذر الشديد والإنذار من اتّباع أولئك العلماء السيئين، فإنهم حذَّروا من السير الأعمى وراء كل أحد، ونهوا عن اتخاذ أولئك وليجة.

وقد انتشر هذا الوباء في الفتنة المعاصرة حيث وجدنا كثيراً من أتباع الضلال أنهم تمسكوا بأصحاب الفتنة والبِدعة والضلالة، إما لسلامة نياتهم هم وحسن اعتقادهم بأولئك، أو لأنَّ لأولئك القوم يداً عليهم تُعينهم على حياتهم وأرزاقهم، أو لأنهم اعتادوا على طاعتهم وأُشرب حبُّ العجل في قلوبهم، وهو كمرض الأُوَل الذين اتبعوا الباطل، وتركوا الحق الذي كان مع الإمام علي عليه السلام.

وهناك منهج انحرافي خطير سلكه أصحاب البدع بذمِّهم الفقهاء والعلماء، وربما استفادوا لأباطيلهم ببعض الروايات التي قد تقدَّم بعضها بذم فقهاء السوء، وموَّهوا على أتباعهم أنَّ المقصود بالذم هم الفقهاء والعلماء، ليتمكنوا بجهلهم أن يسيطروا على أتباعهم، ويخدعوهم بأباطيلهم.. بينما قرأنا الروايات الصحيحة والكثيرة التي تمدح العلماء والفقهاء وتجعلهم حصون الإسلام و ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، وإنما وقع الذمُّ على فقهاء السوء والضلالة ويشمل هذا العنوان جميع المنحرفين عن الصراط المستقيم ومن جملتهم أولئك أصحاب الدعاوى الباطلة التي يذمون بها الفقهاء العدول (زاد الله تعالى شرفهم).

  5 ــ التوجّه بالدعاء للنجاة من الفتن  

وهذا ما نجده في مجموعة كبيرة من الأدعية الشريفة المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وفيها التوسل إلى الله (عزّ وجل) لينجي المؤمن من الفتن، لأن الفتن إذا جاءت فقد تتلبس عليه لشباهة الشبهة بالحق، فيدعو الله (تبارك وتعالى) ليعرّفه الحق حقاً فيتبعه، والباطل باطلاً فيجتنبه، ولا يجعله عليه متشابهاً، فيتبع هواه بغير هدًى منه تعالى. وسوف يأتيك زيادة بيان إن شاء الله تعالى.

  6 ــ معرفة أسباب الفتنة  

وكأسلوب وقائي فقد جاءتنا الأخبار الشريفة التي نسبت الفتنة لأسبابها.

فقد جاء في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك في الكافي الشريف بسندٍ صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: أيها الناس، إنما بَدْءُ وقوع الفتن أهواءٌ تُتَّبَع وأحكام تُبتدَع، يُخالَف فيها كتابُ الله، يتولى فيها رجال رجالاً.

فلو أن الباطل خلص لم يخفَ على ذي حِجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى). (الكافي / ج1/ ص54/ باب البدع والرأي والمقاييس / ح1).

فأهم أسباب الفتنة هو عدم الانسياق ضمن الحدود التي شخَّصتها الشريعةُ المقدسة للإنسان وتعدي تلك الحدود الإلهية باتّباع الأهواء والمقاييس الذاتية حسب ما يشتهي ويريد.

وقد حصَّنت الشريعةُ الإنسانَ المؤمن من تلك الأسباب المُهلكة حينما حرَّمت اتّباع الهوى وأوضحت سُبُلَه.. فقاومت البدعة ومنعت من استخدام الطرق الموصلة إلى البدعة.

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك