المقالات

المشهد السّياسي العراقيّ(( حوارات ما بعد علاوي))


 

◾️محمّد صادق الهاشميّ

 

مازالت المباحثات بين المكوّنات والأحزاب تراوح مكانها دون تقدٍّم مع كثرة الاجتماعات، والبون شاسع وكبير بين الأحزاب والمكوّنات ,إلّا أنّ تكليف أيّ مرشّح بعد السّيّد محمّد توفيق علاوي سيتأثر بما تحقق من معطياتٍ ونتائجَ وإفرازاتٍ وتحالفاتٍ وتأثيرات ومؤثّرات رافقت الجدل السّياسيّ لرفض حكومة علاوي, وهذه المعطيات سوف تكون الأساس لأيّ مكلّفٍ غيره , ويمكن إيضاحها بما يلي:

أوّلاً- الموقف الكُرديّ:

إنّ شرط الأكراد واضحٌ، وهو أنْ لا يتدخّل رئيس الوزراء  في تعيين الوزراء الذين هم حصّة الإقليم, خصوصا وزارة المالية, وأنّ هذا هو الخيار، والاختيار يحدده  الكرد فضلاً عن شرطهم السّيّال, وهو كلّ ما أقرّه لهم عادل عبد المهدي خلال فترة حكمه  يبقى سارياً، من تمديد عمر المادّة (140) الخاصّة بالأراضي المتنازع عليها, وحصتهم في الموازنة, ورواتب الموظّفين , وتصدير النفط، وغيرها من المكاسب التي حققوها في زمن عادل عبد المهدي، فهم  يريدون اليوم تحويلها إلى قوانين تبنى العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية على ضوئها.

إنّ الكرد يمتلكون فرص نجاح قوية يتمكنون من خلالها تمرير أيّ حكومة أو رفضها، وهي:

1. إنّهم تمكّنوا من أن يبنوا اتفاقاً وثيقاً مع البعض من الشيعة، ومع السّنّة محور السّيّد الحلبوسيّ أكثر وثوقاً.

2. تمكّنوا أنْ يوحّدوا موقف الأحزاب  الكردية الثلاثة الأساسية « الاتحاد , والدّيمقراطيّ , والتغيير » من الاتحادية بكُلّ التفاصيل، مع أنّ الخلافات بينهم عميقةٌ.

3. تمكّن السّيّد مسعود  أنْ يمسك بزمام الأمور بقبضةٍ من حديدٍ, والكُلّ يأتمر بأمره وينتهي بنهيه.

4. الكرد قد أثبتوا قدرتهم على أنّهم يشكّلون ركناً مهمّاً في العملية السّياسية من خلال إفشال حكومة السّيّد محمّد علاوي؛ لأنّهم قد أسسوا تحالفاً وجوديّاً مع السّنّة وبعض الشيعة  يقف بالضّد من القوى السّياسية التي تريد أنْ تفرض وجودها لوحدها في السّاحة السّياسية.

5. وبالتأكيد، وفي ظلّ الأسس التي يعمل بموجبها الكرد ومن يتحالف معهم في مواجهة التفرّد وجدنا الحكمة والنصر يسيران بنفس الاتجاه بالمحصلة.

6. يستفيد الكُرد- أيضاً -  من ضعف الشيعة في هذه المرحلة، لفرض شروطهم والعمل على تعميق  الهوّة بينهم؛ لاستمالة بعضهم بما يمكّنهم من تمرير مطالبهم عبر مرشّح أقلّ تشدداً معهم.

7. يستفيد الكرد من الصّدمة الكبيرة  لدى أغلب الأحزاب الشيعية، بل الخوف من سيادة حزبٍ وتيّار واحدٍ في المشهد السّياسيّ والحكوميّ الشّيعيّ.

8. كُل هذه الفرص مكّنتِ الكُرد من أنْ تتعدد أذرعُهم وأدواتهم في التأثير على اختيار المكلّف، ومن ثمّ تمريره لكن يبقى الأهمّ .

في البين للكرد هو تحالفُهم الموقّع بين السّيد مسعود وبين الحلبوسيّ، والذي لم ينشر، مع أنّ التّسريبات أكّدت أنه اتفاق استراتيجيّ لا يقتصر على موضوع السيّد محمّد علاوي أو من يأتي بعده, بل هو اتفاق على النّفط,  والجغرافيا , والمصير السّياسيّ والأمنيّ وحتّى النّفطيّ, ويتناول حتّى الأراضي المتنازع عليها, وطريقة توزيع الثّروات، وتوصّل الاتفاق إلى موقفٍ مشتركٍ، وهو  الاتفاق على بقاء القواعد الأمريكية تحت مبرر قوّات تحالف لمواجهة داعش.

9. إنّ الموقف الكردي الموحّد بين الأحزاب الثّلاثة تمكّن أنْ يحصر القرار السياسيّ بهم ويلغي أيّ دورٍ لأيّ حزب معارض لقرارهم، وستطاع إفشال مساعي برهم صالح التي تريد أنْ توجد له ثمّة وجودٍ خاصّ به .

ثانيا : الموقف السنّي :

الأحزاب السنّية تشهدُ صراعاً وجوديّاً بين:

1. أجيال سنّية  قيادية قديمة وأجيال قيادية جديدة، وبين محافظاتٍ قررت أنْ تتصدّر القيادة لتمثيل المكوّن السنّي, كالأنبار؛ كونها مركز الثّقل السّكاني السنّي، فضلا عن تمحّضها في الدّيموغرافية السنّية قياسا إلى كركوك والموصل وديالي التي لا يشكّلُ السنّة فيها إلا أحد المكوّنات، وإنْ ترجّحت كفّتها العددية.

2. وأكثر من هذا، فإنّ أبناء أكبر قبيلةٍ عربيةٍ في الأنبار التي يبغ تعداها مليونين تقريباً، وهي «دليم» اليوم أغلب قادة العراق منها سواء أكان «الحلابسة أم الكرابلة»، بينما يرون  أنّ قياداتٍ أخرى لا تنتمي إلى التاريخ العربي، وعلى رأسهم آل النّجيفيّ؛ لكونهم من أصول شركسية لا يمكنهم مزاحمتهم على قيادة المكوّن السنّي سياسياً، وحديث الكربولي عن العمق العشائريّ العربيّ واضحٌ في حديثه لإحدى القنوات، كسببٍ لرفض محمّد توفيق علاوي.

محور الحلبوسيّ « اتحاد القوى العراقية»  أمامه الفرص التّالية:

1. بعد أنْ أثبت قدرته في كسر شوكة السنّة المؤيـّدين لمحمّد توفيق علاوي عبر تحالفاته مع الشيعة والكرد سوف يمضي بنحو أقوى في ترسيخ نفس الشّروط التي اشترطها على علاوي، وإلّا فإنّه سوف يحتكم إلى ذات الآليات والاتفاقات لإسقاط المرشّح البديل.

2. فرصة كبيرة للحلبوسيّ ومن معه أنْ يثبتوا للسنّة العرب والخليج أنّهم تمكّن

وا من أنْ يكونوا إحدى أدوات صنع القرار الشّيعيّ، وتحديداً منصب رئيس الوزراء الذي يعتبر ضمن الدّستور أكبر وأهمّ منصب تنفيذيّ.

3. اتحاد القوى أثبتَ تماسكَه، فلم تتمكنْ أيّ قوّةٍ شيعيةٍ من اختراقه، كما كان معهوداً من قبلُ.

4. الحلبوسيّ قد أنهى مقولةَ ضعف المكوّن السنّيّ في القرار.

5. الحلبوسيّ تمكّن من أنْ يبني تحالفاتٍ مهمّةً.

6. الحلبوسيّ بيده أوراقٌ متعددةٌ يلوّح بها، منها التّحالف الوثيق مع مسعود، ومنها ورقة القواعد الأمريكية، ومنها ورقة الإقليم السنّيّ.

ثالثاً: الموقف الشّيعيّ:

بعد أنْ استعرضنا الموقف السنّيّ والكُرديّ واتضحت بنحو كبير قدرتُهم على التّأثير في القرار منعاً وتمريراً بما يحقق مصالحهم المكوّناتية أو الحزبية؛ فإنّ الموقف الشّيعيّ يمكن توصيف واقعه بما يلي:

1. لا توجد أمام الأحزاب الشّيعيّة أيّ فرصة في ظلّ الانقسام الكبير والصّراع الخفي بين أحزابٍ تحافظ على وجودها، وأخرى تريدُ أنْ توسّع مساحة وجودها، وبين أخرى تحاول أنْ تمسك العصا من المنتصف، وأخرى تجد ثمّة فراغاً في القرار السياسيّ الشّيعيّ، وتعتقد أنّها البديل الأخير والوحيد.

2. الأحزاب الشّيعيّة قد تأكد لها أنّ القرار السياسيّ فيما يخصّ تكليف مرشّحٍ لرئاسة الوزراء يشاطرهم السنّة والكرد فيه، وما عاد هذا قراراً خاصّاً يحدده ويقرره الشيعة، فالأحزاب الشّيعية منشطرةٌ انشطارا يمنعُ كلّ طرفٍ أنْ يكون الآخر قادراً على صنع القرار، بينما المكوّنات الأخرى موحّدة في قرارها، علماً أنّ المصالح الكردية والسنّية التي تتوسّع على مساحة الدّولة لا يمكن منعُها إلّا بقرار شيعي موحّد، وهو غير حاصل، ومن البعيد حصوله.

3. تفاقم التّوتر في الشّارع الشّيعيّ بما يُضعف القرار الشّيعيّ ويجعل فاقدين للمناورة، ولأيّ عنصر قوّةٍ بعد أنْ فقدوا عنصر قوّتهم الشّعبية، وهي التي استُغلت ضدّهم من الخارج، ومن المكوّنات الأخرى.

رابعاً: مستقبل القرار الشيعي :

في ضوء ما تقدّم من معطياتٍ وخريطةٍ سياسيةٍ تشكّلت سريعاً بين السنّة والكرد، وبعد تجلّت حقيقة الموقف الشّيعيّ المتأزّم والمهدد بالانهيار والدّخول في فراغاتٍ كبيرةٍ خصوصاً أنّ السيّد عادل عبد المهدي يرفض ممارسة صلاحيته، وأمام المدد الدّستورية المتبقية، وأمام الاستحقاقات القادمة من انتخاباتٍ مبكرةٍ والتي تحتاج إلى صفٍّ شيعيّ رصينٍ لحسم قانون الانتخابات وغيرها نجد ما يلي :

1. إنّ الشّيعة ما لم يوحّدوا صفوفهم بالحدِّ الأدنى فإنّ الأبوابَ مفتوحةٌ أكثر من أيّ وقتٍ مضى إلى التّدخّل الخارجي.

2. كرة الثّلج ستكبرُ وتتعمقُ من خلال الانقسامات بينهم بما يمنعهم لاحقاً أنْ يشكّلوا موقفاً مُوحّداً لمراحلَ مقبلةٍ، وقد يشتدّ الموقفُ  السّياسيّ انقساما يبلغ بهم حدّ الصّراع السّياسيّ أو العسكريّ .

3. قد يتعرّض البلدُ إلى انقساماتٍ وأقلمةٍ،  أو يقع المحذور لتدخّلٍ خارجيّ أو عسكريّ، أو يقع العراق تحت التّدويل، أو إرجاع العراق إلى البند السّابع أو السّادس، خصوصا أنّ أمريكا وممثلة الأمم المتحدة «بلا سخارت» تدفع بهذا الاتجاه؛ كونها في تقاريرها تصف العراق « بأنّه بلدٌ بلا حكومة، وأنّه تحت سيطرة السّلاح، ممّا يهدد الأمن الإقليميّ والدّاخليّ.

4. ستفشل العملية السياسية في معالجة الاخفاقات في الخدمات والفساد، وربّما تتسع مساحتُه أكثر حينما يتحرّك الشّارعُ الشّيعيّ لرفض الطّبقة السياسية كلّها.

5. العراق مقبلٌ على أزمةٍ أمنيةٍ في ظلّ وجود التّهديد الأمنيّ « الدّاعشيّ » والتّهديد الاقتصاديّ بسبب انخفاض أسعار النّفط، فضلا عن تفشّي الأمراض وما يتبعه من تعطيل لمؤسسات الدّولة، وكلّ تلك الملفّات سوف تشكّل نقاط ضغطٍ تؤدّي بالأحزاب الشيعية إلى رفض الجمهور لها؛ لكونها ستفقد القدرة على إدارة البلاد، بل هي مصدر أزماته في نظر الجمهور، ما لم تتمكن من تجاوز الأزمة بتوحيد موقفه، وحصر القرار الشّيعي به، وأنْ لا يسمح بأنْ يكون أسيراً لتدخّل المكوّناتِ الأخرى في مساحته .

6. على الأحزاب الشّيعية أنْ تخرج بنتيجةٍ من درس منع تمرير حكومة محمّد علاوي أنّه لا يوجد تيّار أو حزب شيعيّ قادر على فرض إرادته لوحده، بل مصدر القوّة في وحدتهم .

7. في هذا الظّرف لم تعد مقولةُ أن يكون المرشّح من خارج الأحزاب مقبولةً في ظلّ إصرار المكوّنات الأخرى على أنْ يكون المرشّح من أحزابها، فإنّ هكذا أمرأ سيفقد الشيعة الكثير فضلاً عن كونه مطلباً  لا يمكن تطبيقه على مكوّنٍ دون مكوّنٍ آخر .

وخلاصة القول:

 إنّ العملية السياسية بسبب انهيار « البيت الشّيعيّ»  تعيش مراحل أخيرة من عمرها، ويتوجّب على الشّيعة بالإجماع والاتفاق إنعاشُها وإلّا فإنّهم أمام انهيار « البيت العراقيّ» بأكمله.

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك