المقالات

الشَّعائِر.. رُؤيَةٌ فِي الجَدَليَّةِ (١١) والأَخِيرة


نـــــــــــزار حيدر

 

*وأَمَّا المنبر الحُسيني فيجب أَن يكونَ المدرسة بكلِّ معنى الكلِمة، في خطابهِ وقصائدهِ.

لقد ربَّى المنبر على طولِ التَّاريخ وتخرَّجَ من تحتِ أَعوادهِ عُلماء وفُقهاء وثوَّار ومُجاهدين ورساليِّين وعُظماء وشُهداء، وهو الذي حفِظَ ثقافة الأُمَّة وفِكرها من الإِنحراف والضَّياع.

وهو الذِّكرى التي تنبِّه النَّاسَ عندما يغفلُون عن الحقِّ ويبتعدُون عن الجادَّة والصِّراط المُستقيم.

وهو الذي يعظهُم ويُربِّيهِم ويُحذِّرهُم.

إِنَّ هذا المنبر الذي أَسَّس لهُ وحدَّد رسالتهُ الإِمام علي بن الحُسين السجَّاد زَين العابدِين (ع) وفي مجلسِ الطَّاغية القاتِل يزيد إِبن الطُّلقاء، هذا المنبر ينتمي إِلى عاشوراء وكفى بذلكَ فخراً، وكفى بذلكَ هويَّةً وجَوهراً ورِسالة، ولذلك فإِنَّ المنبر الذي لا يُربِّي روَّادهُ على الوعي والإِدراك والمعرِفة ويزرع فيهم روح المسؤُوليَّة والإِنتماء الحقيقي، ليس هو المنبر الذي نبحثُ عنهُ ونُريدهُ.

هذا المنبر يجب أَن يحفظ ويحمي قُدسيَّتهُ وإِنتماءهُ العاشورائي، ولا يتحقَّق ذلك إِلَّا إِذا بقي مصدر إِشعاع للعلمِ والمعرِفة والإِستقامة والنَّزاهة والشَّجاعة في قولِ الحقِّ والصِّدق والسِّيرة الحَسنة.

والحَذر كلَّ الحَذر أَن يرتقى هذا المنبر خُطباء ورواديد وشُعراء يتناقض سلوكهُم مع خطابهِم وواقعهُم مع حديثهِم، يحرِّضُون على الثَّورة ضدَّ الفَساد فلمَّا يتحرَّك الشَّارع يقولُون {حِيدِي حَيَادِ!} ويدعُون للقيامِ ضدَّ الظُّلم وإِلى الأَمرِ بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر، إِلَّا أَنَّهم يلوذُون بصمتِ أَهل القبُور وهم يرَون كلَّ هذا المُنكر [السِّياسي] الذي شاعَ في الدَّولة والمُجتمع من دونِ أَن يحرِّكُوا ساكناً، ويصرُّون على أَنَّ {أَفضَل الجِهاد كَلمَةُ حقٍّ عنْدَ سُلطانٍ جائرٍ} إِلَّا أَنَّهم عندما يقفُون في حضرةِ السُّلطان الجائر يقفُونَ وقفةَ عبدٍ ذليلٍ خائفٍ، يمدحُونَ ليلحسُوا قِصاعهُ!.

يتكلَّمونَ بالعَفافِ وسيرتهُم التحلُّل، ويُذكِّرونَ النَّاسَ بالعزَّةِ وحياتهُم الذُّل! ويُردِّدُونَ قولَ الحُسين السِّبط (ع) {إِنَّما خرجتُ لطلبِ الإِصلاح} وهُم شُركاءَ مع الفاسدين والفاشلين.

إِنَّ مَن يرتقي المنبر، سواءاً كانَ خطيباً أَو رادُوداً أَو شاعراً، بمثابةِ المعلِّمِ في الصَّفِ، ولذلك فإِنَّ عليهِ قبل أَن يبدأَ بإِلقاءِ الدَّرسَ على طُلَّابهِ وقبلَ أَن يبدأَ بتأديبِ المُستمعينَ وروَّاد المنبر والمجلس أَن يبدأ بتأديبِ نفسهِ وتعليمِها وتزكِيتها، فلا يكونُ مُنافقاً يدعُو المُستمعينَ لشيءٍ وهو يفعلُ شيئاً آخر، ويحرِّضهُم على شيءٍ وهو يقُوم بما يناقض هذا الشَّيء!.

أَلم يقُل أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالاِْجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.

إِذن؛ نحنُ بحاجةٍ إِلى أَن يكونَ مَن يرتقي المنبر؛

*صادقاً مع نفسهِ ليصدُقَ مع المُستمعِين.

*وأَن تُحدِّثنا سيرتهُ وسلُوكهُ عن صدقهِ وعلمهِ وأَدبهِ ونهجهِ وليسَ لِسانهُ.

إِنَّ المنبر الذي يخدِّر النَّاس ولا يدعُوهم إِلى الإِصلاح ومُحاربة الفساد، هو نفسهُ المنبر الذي يقولُ صاحبهُ ما لا يفعلُ ويفعلُ ما لا يقُول.

فلنحذر المنبر الذي ينطبقُ عليهِ قول أَمير المُؤمنينَ (ع) {وَاللهِ لاَ أَكُونُ كالضَّبُعِ: تَنَامُ عَلى طُولِ اللَّدْمِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا، وَيَخْتِلَهَا رَاصِدُها}.

أَمَّا المُستمعُ الذي يرتادَ المنبر الحُسيني فهوَ الآخر يجب أَن لا يكونَ كما وصفَ أَمير المُؤمنينَ (ع) {وَاللهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ، يَسْمَعُ النَّاعِيَ، وَيَحْضُرُ الْبَاكِيَ، ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ!}.

*أَمَّا الزِّيارة فهي إِحدى أَهمِّ الشَّعائر الحُسينيَّة التي تُحافظ على جَذوة الولاء والإِنتماءِ الحُسيني مُتَّقدة في نفوسِنا ووجدانِنا وضمائرِنا.

إِنَّها مخُّ الشَّعائر الحُسينيَّة، ولذلكَ أَكَّد عليها أَهلُ البيتِ (ع) حتَّى وردت مع كلِّ زيارةٍ لمعصومٍ وفي كلِّ المُناسبات.

إِنَّ زيارة الحُسين السِّبط (ع) كلَّ أُسبوعٍ، وذلك أَضعف الإِيمان، هي مصدر الإِلهام الحقيقي والمُستدام لنا، فهي تذكرةٌ وتحديثٌ وتجديدٌ مُستمرٌّ لكلِّ المفاهِيم الرِّسالية العَظيمة التي تحملها عاشوراء وكربلاء وقضيَّة الحُسين السِّبط (ع).

فما أَروعَ أَن نُردِّد ونُكرِّر القول مع عقولِنا وضمائرِنا ووجدانِنا؛

{يا أبا عَبدِ الله، إنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ}.

{اَللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْق عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَاَصْحابِ الْحُسَيْنِ اَلَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ}.

{ونُصرَتِي لكُم مُعدَّة}.

{بِأَبي اَنْتَ وَاُمَّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَاَكْرَمَني بكَ اَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ اِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ اَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، اَللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ}.

٢٣ تشرِينُ الأَوَّل 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك