المقالات

الفكر السياسي الأميركي..في الشرق الأوسط...الجزاء الثاني

1800 2019-08-31

كندي الزهيري

 

في مطلع القرن التاسع عشر أو عام 1812م، على وجه التحديد قال الروائي هيرمان ميلفيل "نحن رواد العالم وطلائعه. اختارنا الرب، والانسانية تتطلع إلى سلالتنا وتنتظر منا الكثير، ونحن نشعر في مكنون انفسنا بالقدر على فعل الكثير، لقد بات لزاماً على الكثير من الأمم أن تحتل المؤخرة.. نحن الطليعة ننطلق إلى البرية لنقدم ما لم يستطع أن يقدمه الأوائل" .

وما قاله تيودور روزفلت 1919م،" العالم مصير امتنا وقدرها". تلك الأقاويل وغيرها تعكس إلى حدً كبير الروح التوسعية للفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة في وقتنا الحاضر.

ففلاسفة الفكر الاميركي يؤمنون بأن الولايات المتحدة الأميركية امة صاحبة رسالة عالمية، وقد كلفها الله بتلك الرسالة وهذه الرسالة امتزجت مع الفكر السياسي الأميركي بروحه التوسعية ومضمونه البراغماتي الواقعي، لتظهر بمظهر الامة المكلفة بحماية الارض وبرعاية كونية، فالتفكير البراغماتي العملي يحتاج إلى النجاح حتى لو تخلى عن الروح الاخلاقية، وهذا يتسق كثيراً مع قول الكسندر هاملتون1804م، أول وزير خزانة في الولايات المتحدة بقوله" النجاح لا يعرف الاخلاق" .

فالنجاح الاميركي ربما يفرض اخلاقيات من نوعٍ آخر تختلف عن اخلاقيات العالم الآخر. هذه الأقاويل والخطب ومبادئ الرؤساء الأمريكان خلقت ارضية فكرية واصبحت خلفية فكرية للسياسات الأميركية اللاحقة، فمفهوم الشرق الأوسط ادركه العقل الاميركي منذ وقت مبكر، فتوماس جيفرسون يعتقد أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد على أي معاهدات سلام مع أي دولة شرق أوسطية والتي ترتبط معاهداتها مع حياة حاكمها.

اذاً فالاعتقاد الراسخ في العقل الاميركي بأن جذور القيم الديموقراطية والإصلاح التي تروج لها الولايات المتحدة اليوم عبر مشروع الشرق الأوسط والعالم العربي، موجودة في القيم الدينية الأميركية والسلوك الأميركي وأن قيم الديموقراطية تتطلب هذه الارضية لتدعيمها.

يقول جون مكين (الشؤون الخارجية الأميركية)، "يجب إن نسير قدماً نحو ربط الأمم الديمقراطية بعضها مع بعض في منظمة واحدة، منظمة رابطة الديمقراطيات العالمية" وهذا ما تسعى اليه اليوم الولايات المتحدة في مشروعها الشرق أوسطي وهذه ستكون مختلفة عن خطة ودر وولسون، خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، بأنشاء عصبة الأمم ذات العضوية المفتوحة، بل اقرب إلى ما تخيله تيودور روزفلت، حيث الدول المتشابهة تعمل بشكل لصيق بعضها مع بعض من اجل السلام والحرية، وهذا ما روج له المحافظون الجدد، لفكرة تأسيس رابطة الدول الديموقراطية، يكون هدفها الدفاع والمحافظة على مصالح هذه الدول ومصلحة الولايات المتحدة بشكل خاص ، وربما هو الهدف الاكبر وراء مشروع الشرق الأوسط الكبير.

فقد وضعت الادارة الأميركية في عهد بوش الابن المصلحة الأميركية أولاً وأخيرا وتناغمت مع مقولة روزفلت" إن قدرنا هو امركة العالم"، في صياغة اميركية معاصرة تحت مفهوم النظام العالمي، مقسمة المجال لإقامة نظام شرق أوسطي وفق المقاييس الأميركية .

لذلك فإن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين هي محاولة الجمع بين الترويج للقيم وقواعد السلوك بين العرب والمبنية على اساس العقيدة الأميركية مع دعم لدولة إسرائيل، التي تستند سياستها إلى الأطروحة الأميركية المضادة ،وهيمنة الاحلاف العسكرية والحكم على الشعوب الاخرى على اساس مزيج من مزاعم ليس لأي منها ترابط مع القيم الليبرالية الشاملة وهذا ما أعلنت عنه كونداليزا رايس حينما كانت مستشارة للأمن القومي الأميركي عام 2002م، بأن الولايات المتحدة تريد تحرير العالم الإسلامي ونشر الاسلوب الديمقراطي في ربوعه أولاً، وثانياً نريد تغير الأنظمة السياسية العربية، وهو ما تجلى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، والإطاحة بنظام حليفهم صدام حسين لدمقرطة المنطقة وضمها لرابطة الديمقراطيات العالمية التي اعلن عنها المحافظون الجدد.

اذاً ما يمكن قوله أن القيم الأميركية التي خلقها المؤسسون الأوائل، والروح التوسعية للفكر السياسي الاميركي كانت دافعاً مهماً لمشروع الشرق الأوسط في المنطقة، فالخطب والتصاريح الأميركية الرسمية وغير الرسمية، الممتزجة بالقيم الأميركية الدينية وغير الدينية، مثلت مرجعاً فكرياً للسياسات الأميركية المعاصرة، وخلقت فكراً سياسياً اميركياً بُنيت على اساسه مشاريع واحتلت دول، وأسقطت أنظمة سياسية، بتلك المرجعية الفكرية، ومشروع الشرق الأوسط هو احد افرازات ذلك الفكر ،بينما امريكا تحارب من اجل الصليب ،اي حرب دينية على بقية الامم ....

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك