مدخل
-------------
التوزيع التبادلي نوع هام من انواع المعلومات الاستخبارية المنتجة التسعة التي كما قد تناولناها بنحو الاجمال انظر (مبحث 18 توزيع المعلومات ) وتكمن اهميته في انه يتم مع دول ومنظمات وهيئات اجنبية .فيكون الامر مدعاة لمزيد من توخي الدقة
-----------------
عولمة الامن
-----------------
ترتبط الدول بتحالفات سواء اقليمية متجاورة او ضمن استراتيجيات عابرة للجوار , وتقوم تلك التحالفات على اساس المصالح بالدرجة الاساس سواء كانت مؤقتة او استراتيجية , وعلى غرار ذلك ومصداقاً له تجري التحالفات الامنية والعسكرية والاستخبارية ضمن الامن القومي والامن الاقليمي , وتكون هي الاخرى مبنية على المصالح والاهداف والخطر المشترك .
كما ان للدول في عصرنا الحديث التزامات دولية مع منظمات ضمن التزامات واتفاقيات محددة , كمجال الجريمة المنظمة والارهاب والمطلوبين للعدالة ومثالها الانتربول في مجال الجريمه المنظمه والارهاب والتهديدات والدول العدو والدول العدو المحتمل .
وبلا شك فان تبادل المعلومات هو من اهم اشكال الاتفاقيات الامنية الثنائية والمتعددة المبرمة يين بلدين او اكثر , والتي تصل الى حد الغرف المشتركة للجهد الاستخباري ضمن مراكز عمليات خلال تحالفات الحروب , فلاتنحصر النظرة الى امن البلاد فيما هو داخله فقط وكأنه جزيرة معزولة , فللأمن مفهوم قومي وجغرافي واقليمي ودولي , ومن هنا يكون العمل المشترك بمستويات عدة بحسب طبيعة العلاقة وبحسب طبيعة التهديد ويكون هنالك الخاص والعام , فهناك جهد عام بين جميع الدول من خلال السلك الدبلوماسي والممثليات الدبلوماسية , ومن خلال الملحقيات العسكرية , عدا عن الغرف او اللجان المشتركة الخاصة بتنسيق الجهد الاستخباري.
ولقد زادت ضرورات التعاون بشكل حاسم مع التطور التقني والثورة الرقمية التي اتاحت الى عولمة كل زاوية في شؤون الحياة , بما فيها عولمة الامن انعكاساً لعولمة الجريمة والتهديدات كافة , فصار التعاون بكافة درجاته ومستوياته امر مفروغ منه وليس ترفاً .
-------------------------
التوازن والمحاذير
-------------------------
يعتبر التوزيع التبادلي من اشد انواع توزيع المعلومات الاستخبارية دقة ومدعاة للحذر , فهو تعامل استخباري رسمي مع جهة اجنبية يحتاج معها الى الدهاء واللياقة معا , كما انه مرتبط بشكل وثيق بطبيعة السياسة العامة للبلاد وبالاعراف السياسية الدولية العامة , ومن هنا فهو يطبق في كثير من متبنياته مباديء وثوابت تتعامل كافة الدول فيها مهما كان نوع علاقاتها , ومن تلك الثوابت :
1- انه لاتوجد صداقات دائمة وانما هنالك مصالح مشتركة : فبرغم ان هنالك اعتبارات تميز دولة عن اخرى بحسب طبيعة علاقتهما ومشتركاتهما , الا أن الجهاز الاستخباري المعني بالتوزيع التبادلي يتعامل مع كل الدول على اساس انها هي صديق اليوم , اما الغد فالامر قد يتغير بحسب تغير المصالح .
2- انه لايوجد في العلاقات الدولية شيء بالمجان : ومن ثم فإن ليست جمعيات خيرية , ومن هنا لابد من تحقيق الموازنة بشكل يعكس طبيعة وعمق العلاقة مع الجهة التي يتم تبادل المعلومات معها , بحيث يكون التوزيع التبادلي الاستخباري (اي مانعطيه لها من معلومات استخبارية ) موازياً ومتوازناً مع الذراع التبادلي الاستخباري معها (اي مانستحصله من معلومات منها ) , او على الاقل ان تكون لكل معلومة ثمن مناسب سواء كان استخبارياً او اقتصادياً سياسياً او اي شكل آخر .
3- كما في السياسة , فان لكل دولة كارتات تلعب بها ولاتكشفها ابداً , ومهما كانت العلاقة استراتيجية ومصيرية , فإن الامر لايستدعي التفريط بالاسرار التي لها ابعاد استمرارية ومستقبلية , والمثال البارز هنا هي علاقة اسرائيل بالولايات المتحدة , فرغم انها علاقة مشيمية , الا ان لكل من الطرفين من الاسرار التي تخص الاخر لكن لايتم البوح بها مطلقاً.
4- كما يتم موازنة المعلومات التي تعطى وفق مستوى التعاون بين البلدين او بين بلدان الحلف الواحد استناداً الى طبيعة العلاقة والى طبيعة المخاطر المشتركة .
5- كما في العلاقات السياسية , فإن طبيعة المعلومات التبادلية التي نزود بها بلد ما لايجوز ان يضار منها بلد آخر من حلفائنا .
6- كما ان للسياسة فنونها والاعيبها , فكذا الامر في الاجهزة الاستخبارية , ومن ثم فلاتستجيب الاجهزة الاستخبارية الى طلب دولة ما منها للحصول على معلومة ما بسهولة , ولها ان تناور وان تتأكد من الداعي وراء الطلب وهل يحتوي على فخاخ خادعة , وهل يجب ان تعطى على مراحل ام على الفور , والاهم من ذلك هو مالثمن ؟ ؟.
7- كما في السلك الدبلوماسي , فان ضباط الاستخبارات في غرف العمليات المشتركة ومن يقع على عاتقهم اجتماعات التوزيع التبادلي , فانهم يكونون معرضين اكثر من سواهم لمحاولات التجنيد من قبل الحلفاء ,لذا تتوخى الاجهزة الاستخبارية منتهى الحذر وتسعى الاستخبارات المحترفة الى ان لاتعيدهم الى الجهاز الاستخباري بعد انتهاء مهامهم رغم ثقتها بهم .
------------------------
خصوصية العراق
------------------------
يعمل العراق ضمن ثلاثة تحالفات لكل منها برنامج للتوزيع التبادلي , فالعراق في القلب من التحالف الدولي لمقاتلة داعش بزعامه امريكا , كما انه ضمن التحالف الرباعي ( العراق . سوريا . ايران . روسيا ) وكذلك في التزاماته مع المنظمات العربية والدولية كالانتربول ودول الجوار
ويعد العراق في اعلى قائمة التوزيع التبادلي عالميا ذلك ان هنالك حوالي 20-25 الف مقاتل داعشي اغلبهم عراقي تبخروا بعد انهيار دولتهم وهولاء بالتاكيد في العراق ودول الجوار والعالم في حالة سعي للاختفاء , كما ان هنالك ما يقارب من خمسة آلاف مقاتل اجنبي وعربي كانوا ضمن داعش وهرب منهم اكثر من نصفهم واختفوا عدا عن ثمانية آلاف سوري , ناهيك عن معتقلي الدواعش في العراق وباقي البلدان وزوجاتهم وابنائهم , فهذا كله ملف كبير يحتاج الى توزيع تبادلي واسع .
-------------
الخلاصة
-------------
التوزيع التبادلي هو الشكل الرسمي والرئيسي للتعاون الاستخباري الذي يتم عبره تلبية متطلبات الدول وتغذيتها بالمعلومات الاستخبارية , ومن ثم فهو وعاء تنتقل عبره معلومات ثمينة لاتعطى ولايجب ان تعطى بلا ثمن , فلايوجد في العالم شيء بالمجان الا الجبنة في مصيدة الفئران , ومن ثم تحرص الاستخبارات المحترفة على ان لاتفرط ببضاعتها المعلوماتية الا بعد ان تقبض بلدانها الثمن بأشكاله السياسية والاقتصادية والاستخبارية ,وهو درس هام لنا جميعاً , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha