المقالات

كم بين الساسة من هم "سعاة خير"؟!

1874 2019-01-17

علي عبد سلمان

 

منذ ستة عشر عاما ونحن نراوح في أمكنتنا، ننقل قدما من موضعها الى موضع القدم الأخرى، في أزمة سياسية عميقة، ووصل عمق الأزمة الى حد أصبحت فيه هي الشكل السائد للعملية السياسية في بلدنا، بمعنى أننا بتنا متعايشين معها، وبني تصور دائم بأن السياسية هي هكذا: أزمات تليها أزمات في عملية صناعة الأزمات ..!

والى وقت قريب ونتيجة لهذا التعايش مع الأزمة، كفر كثير من المواطنين بالعمل السياسية وبمخرجاته، وصرنا نسمع شتائم للسياسة والسياسيين لا تعد ولا تحصى، وصارت مفردة السياسي مرادفة لمفردات أخرى، مثل لص، حقير، كلاوجي، كذاب، فاقد الضمير، مخادع، (كلـ...بن كلـ..)..وطبعت الى حد كبير هذه الأوصاف في ذهن المواطن، حتى أوشك الأخضر أن يباع بسعر اليابس..

ولكي نفهم سبب عمق الأزمة التي لا يبدو في الأفق أنها ستجد حلا قريبا، وذلك لأنها أزمة متعددة الوجوه والصفحات، لابد أن نعرف أن اللاعبين الرئيسيين في المشهد السياسي ليسوا بالمؤهلين أصلا لتجاوز هذه الأزمة، أو بعبارة أدق، ليست لهم الرغبة في تجاوز هذه الأزمة، وذلك بسبب شعور خادع، جعل كلا منهم يتوهم بأنه صاحب اليد الطولى في القرار السياسي، وبأنه يستطيع أن يفرض أرادته بسبب مشاعر القوة والتمكن.

هذا الشعور المخادع هو الذي جعل صناع الأزمات يتوهمون بأنهم مؤبدين في مواقعهم، وأنها هبة ألهية لهم، بل أن أحدهم قال وبالحرف الواحد:" أن موقعه السياسي تكليف ألهي...!"

الأنتخابات الفائتة،والتي تشكل بموجبها مشهدنا السياسي الراهن، بكل إسقاطاته وتداعياته؛ حسنها وقبيحها، فككت هذه الصورة الزائفة، وعرت هذا الشعور الزائف بالقوة، وأحالت الساسة من رواد الأزمات الى دواخلهم ليكتشفوا أنها دواخل فارغة، وأن عليهم أن يلحقوا أنفسهم ويصححوا مساراتهم، فليس أمامهم إلا وقت قليل لأنتخابات مجالس المحافظات القادمة، وعندها.

تقول القصة التي لا تتعلق بالسياسة، لكن فيها ما ينفع الساسة: أن رجلا إستغل غفلة راع لقطيع من الغنم، فسرق خروفا..ولكن الراعي أنتبه وهو يعود بأغنامه الى الحضيرة أنهن قد نقصن خروفا، ولم يتعب كثيرا، فقد توجه من فوره الى سوق الأغنام، وهناك وجد خروفه لدى أحد الباعة المعروفين الذي دله بيسر على من باعه إياه، فأمسك الراعي بالرجل الذي أعترف من أول "راشدي" بأنه السارق..

المهم تجمع الناس حول السارق وأخذوه مكتوف اليدين الى الخلف الى "الديوان"، ولأن السرقة جريمة لا تغتفر بالعرف العشائري، فإن حكماء القرية وكي يقطعوا دابر السرقة في قريتهم قرروا أن يشموا جبهة السارق وشما بحرفي  "س.خ" أي  "سارق خراف"!

المهم تم تنفيذ العقوبة، لكن السارق قرر فورا التوبة، وخلال سنوات تحول من سارق خراف الى شخص جليل تحترمه القرية، فقد كان ينجد الملهوف، ويعين المحتاجين، ويشارك بهمة بحصاد الغلال الجماعي، يرمم البيوت الطينية التي بحاجة الى ترميم كل شتاء سيما بيوت الأرامل والأيتام..وشيئا فشيئا نسي الناس قصة سرقة الخروف..

كبر الرجل وصار شيخا عجوزا، وكان يحظى بكبره بإحترام سكان القرية، فالصبيان عندما يمرون من أمامه يسارعون لتقبيل يده، والكبار يتسابقون لخدمته، فقد خدم الجميع، وله فضل على الجميع ..

في أحد الأيام مر رجل غريب على القرية، ووجد أن أهل القرية يبجلون هذا الرجل الذي وشمت جبهته بحرفي "س.خ"، فظن أنه رجل له كرامات توجب أن يحترمه ويبجله الأخرين، لكنه تسائل عن سر وشم جبهته بحرفي"س.خ"...فسأل شابا كان قرب الرجل العجوز الموشوم عن هذا السر.. 

أطرق الشاب برهة يفكر بالأجابة، ورد على الغريب: لا أدري ما معناهما، فقد حدث ذلك منذ أمد بعيد، وربما هما يعنيان (ساعي خير)..

 أقول نحن وشمنا كثير من ساستنا بالوشم "س.خ"،كسراق خيراتنا، فهل يمكن أن يتحولوا الى سعاة خير..؟!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك