المقالات

كم بين الساسة من هم "سعاة خير"؟!

1697 2019-01-17

علي عبد سلمان

 

منذ ستة عشر عاما ونحن نراوح في أمكنتنا، ننقل قدما من موضعها الى موضع القدم الأخرى، في أزمة سياسية عميقة، ووصل عمق الأزمة الى حد أصبحت فيه هي الشكل السائد للعملية السياسية في بلدنا، بمعنى أننا بتنا متعايشين معها، وبني تصور دائم بأن السياسية هي هكذا: أزمات تليها أزمات في عملية صناعة الأزمات ..!

والى وقت قريب ونتيجة لهذا التعايش مع الأزمة، كفر كثير من المواطنين بالعمل السياسية وبمخرجاته، وصرنا نسمع شتائم للسياسة والسياسيين لا تعد ولا تحصى، وصارت مفردة السياسي مرادفة لمفردات أخرى، مثل لص، حقير، كلاوجي، كذاب، فاقد الضمير، مخادع، (كلـ...بن كلـ..)..وطبعت الى حد كبير هذه الأوصاف في ذهن المواطن، حتى أوشك الأخضر أن يباع بسعر اليابس..

ولكي نفهم سبب عمق الأزمة التي لا يبدو في الأفق أنها ستجد حلا قريبا، وذلك لأنها أزمة متعددة الوجوه والصفحات، لابد أن نعرف أن اللاعبين الرئيسيين في المشهد السياسي ليسوا بالمؤهلين أصلا لتجاوز هذه الأزمة، أو بعبارة أدق، ليست لهم الرغبة في تجاوز هذه الأزمة، وذلك بسبب شعور خادع، جعل كلا منهم يتوهم بأنه صاحب اليد الطولى في القرار السياسي، وبأنه يستطيع أن يفرض أرادته بسبب مشاعر القوة والتمكن.

هذا الشعور المخادع هو الذي جعل صناع الأزمات يتوهمون بأنهم مؤبدين في مواقعهم، وأنها هبة ألهية لهم، بل أن أحدهم قال وبالحرف الواحد:" أن موقعه السياسي تكليف ألهي...!"

الأنتخابات الفائتة،والتي تشكل بموجبها مشهدنا السياسي الراهن، بكل إسقاطاته وتداعياته؛ حسنها وقبيحها، فككت هذه الصورة الزائفة، وعرت هذا الشعور الزائف بالقوة، وأحالت الساسة من رواد الأزمات الى دواخلهم ليكتشفوا أنها دواخل فارغة، وأن عليهم أن يلحقوا أنفسهم ويصححوا مساراتهم، فليس أمامهم إلا وقت قليل لأنتخابات مجالس المحافظات القادمة، وعندها.

تقول القصة التي لا تتعلق بالسياسة، لكن فيها ما ينفع الساسة: أن رجلا إستغل غفلة راع لقطيع من الغنم، فسرق خروفا..ولكن الراعي أنتبه وهو يعود بأغنامه الى الحضيرة أنهن قد نقصن خروفا، ولم يتعب كثيرا، فقد توجه من فوره الى سوق الأغنام، وهناك وجد خروفه لدى أحد الباعة المعروفين الذي دله بيسر على من باعه إياه، فأمسك الراعي بالرجل الذي أعترف من أول "راشدي" بأنه السارق..

المهم تجمع الناس حول السارق وأخذوه مكتوف اليدين الى الخلف الى "الديوان"، ولأن السرقة جريمة لا تغتفر بالعرف العشائري، فإن حكماء القرية وكي يقطعوا دابر السرقة في قريتهم قرروا أن يشموا جبهة السارق وشما بحرفي  "س.خ" أي  "سارق خراف"!

المهم تم تنفيذ العقوبة، لكن السارق قرر فورا التوبة، وخلال سنوات تحول من سارق خراف الى شخص جليل تحترمه القرية، فقد كان ينجد الملهوف، ويعين المحتاجين، ويشارك بهمة بحصاد الغلال الجماعي، يرمم البيوت الطينية التي بحاجة الى ترميم كل شتاء سيما بيوت الأرامل والأيتام..وشيئا فشيئا نسي الناس قصة سرقة الخروف..

كبر الرجل وصار شيخا عجوزا، وكان يحظى بكبره بإحترام سكان القرية، فالصبيان عندما يمرون من أمامه يسارعون لتقبيل يده، والكبار يتسابقون لخدمته، فقد خدم الجميع، وله فضل على الجميع ..

في أحد الأيام مر رجل غريب على القرية، ووجد أن أهل القرية يبجلون هذا الرجل الذي وشمت جبهته بحرفي "س.خ"، فظن أنه رجل له كرامات توجب أن يحترمه ويبجله الأخرين، لكنه تسائل عن سر وشم جبهته بحرفي"س.خ"...فسأل شابا كان قرب الرجل العجوز الموشوم عن هذا السر.. 

أطرق الشاب برهة يفكر بالأجابة، ورد على الغريب: لا أدري ما معناهما، فقد حدث ذلك منذ أمد بعيد، وربما هما يعنيان (ساعي خير)..

 أقول نحن وشمنا كثير من ساستنا بالوشم "س.خ"،كسراق خيراتنا، فهل يمكن أن يتحولوا الى سعاة خير..؟!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك