المقالات

العنف ... داء الصغر محال علاجه في الكبر


أحمد جبار الشمري

 

العنف لغة هو الشدة والمشقة، وهو ضد الرفق، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله، التعنيف: التوبيخ والتقريع واللوم .
اما العنف اصطلاحا هو كل تصرفٍ يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون هذا الأذى جسميًّا، أو نفسيًّا؛ كالسخريَّة والاستهزاء، وفرض الآراء بالقوة، وإسماع الكلمات البذيئة، وجميعها أشكال مختلفة لظاهرة العنف .

لقد شهدت البشرية أحداثًا كثيرةً تميزت بالعنف؛ فالعنف سمة من سمات الطبيعة البشرية، وعلى مدى التاريخ نجد شواهد تدل على لجوء الإنسان إلى العنف استجابة لانفعالاته من الغضب، وتعتبر محاولة التسلط من أجل السيطرة على الآخرين هي المصدر الأساسي للعنف في تاريخ البشرية، سواء تسلط الفرد على الآخر، أو تسلط طبقةٍ على مجتمع، وكذلك تسلط مجتمعٍ على مجتمعٍ آخر .

من اهم أسباب العنف اولا العوامل الذاتية التي يكون مصدرها في الفرد ذاته، ومن أهم العوامل الذاتية المؤدية إلى العنف، الشعور المتزايد بالإحباط و ضعف الثقة بالنفس ، او طبيعة مرحلة البلوغ والمراهقة ، أو الاضطرابات الانفعالية والنفسية، وضعف الاستجابة للمعايير الاجتماعية.
و ربما الرغبة في الاستقلال عن الكبار، والتحرر من السلطة الضاغطة على الطلاب، والتي تحول دون تحقيق رغباتهم.
كذلك عدم القدرة على مواجهة المشكلات التي يعاني منها الفرد ، و الرغبة في الحصول على أشياء يصعب قبولها.
أو العجز عن إقامة علاقات اجتماعية سليمة، مما يؤدي إلى الشعور بالفشل والحرمان من العطف، وعدم القدرة على تحكم الفرد في دوافعه العدوانية.
كذلك ضعف الوازع الديني ، لأن الدِّين هو الذي يهذِّب سلوك الفرد، ويُبعده عن سلوك العنف والانحراف .

وتعتبر الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى المسؤولة عن تكوين شخصية الطفل من النواحي العقلية والوجدانية والأخلاقية والجسمانية والاجتماعية والنفسية، وإذا كان لبعض المؤسسات الاجتماعية الأخرى دور في عملية التنشئة الاجتماعية، فإنه دور ثانوي ، لأنه يأتي في مرحلة زمنية لاحقة على السنوات التكوينية الأولى التي يعيشها الطفل في أحضان أسرته.

ويمكن أن نوجز أسباب سلوك العنف التي ترجع إلى الأسرة هو التفكك الأسري فضلا عن التدليل الزائد من الوالدين ، وعدم متابعة الأسرة لسلوك الأبناء ، او الضغوط الاقتصادية للأسرة .

للحي الذي يسكن فيه الإنسان دور مهم جدا في التنشئة الاجتماعية ، فالحي الذي تتوافر فيه قيم أخلاقية، وخدمات لتغذية هذه القيم، وإشباع حاجات ورغبات الفرد يعتبر حيًّا سويًّا، ويهيئ للفرد جوًّا يكسبه الشعور باحترام النظام والقانون، والبعد عن السلوكيات المنحرفة، ومن بينها السلوك العدواني، وقد تتوفر في الحي أسباب عدم التنظيم الاجتماعي، وتشجيع السلوك العدواني عن طريق احترام المجرمين، مما يجعل هذا الحي بيئة فاسدة تؤدي إلى زرع العنف في الطفل منذ نشأته الأولى.

كذلك لوسائل الإعلام دور بارز في تنامي ظاهرة العنف لدى المراهقين ، فالبرامج الإعلامية، وخصوصًا التلفزيونية، من حيث إنها تقدم لهم عينة من التصرفات الخاطئة، مثل العنف الذي يشاهده المراهق لمجرد التسلية والإثارة، قد ينقلب في نهاية التسلية والإثارة لواقع مؤلم بفعل التأثير السلبي القوي والفعال لوسائل الإعلام لتجسيد العنف بأنماطه السلوكية المختلفة، ولا يخفى علينا أن المراهقين لديهم القدرة على التقليد والمحاكاة لما يشاهدونه في التلفزيون، كما أنهم ينجذبون لمشاهد العنف، ويجدون فيه المتعة؛ لذا نجد أن معظم حديثهم يدور حول البرامج التلفزيونية العنيفة .
حيث تؤثر وسائل الإعلام تأثيرًا بالغًا في انتشار الجريمة، وتقليد السلوك العنيف ، لأنها تعلِّم الأفراد أساليب ارتكاب الجرائم ، و قد تبالغ وسائل الإعلام فيما تنشره من إثارات حول أخبار العنف، الأمر الذي يظهر العنف كسلوك عادي مقبول . فضلا كونها قد تصور المجرمين كأنهم يقومون بأعمال بطولية خارقة، وهذا يشجع الأطفال على اعتبار المجرمين قدوة لهم في حياتهم ، كذلك المشاهدة المستمرة للعنف في وسائل الإعلام تؤدي على المدى الطويل إلى انعدام الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابية لمواجهة بعض الصراعات .

كذلك تؤدي البطالة إلى نتائج نفسية خطيرة، مثل: الاكتئاب المزمن، الذي يؤدي إلى اليأس والانعزالية، وعدم القدرة على العمل والإنتاج، كما تؤدي البطالة إلى خلق الشخصية العدوانية المضادة للمجتمع، وقد أشار العديد من العلماء إلى أن الكثير من مرتكبي جرائم العنف لا ينتمون فقط إلى أسرٍ فقيرةٍ، بل يعانون أيضًا من حالة البطالة .

الوقاية من العنف تتطلب التصدي للعوامل المؤدية إلى العنف ومعالجتها بصورة علمية، ويجب أن تتركز الجهود الوقائية على مرحلتي الطفولة والمراهقة ، نظرًا لأن سلوك العنف يتكون غالبيته من مرحلة الطفولة المبكرة.
وينبغي اتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة إلى استئصال الشر من النفس البشرية، والتي تؤدي إلى إيقاظ الشعور الديني، والذي يعد الضابط الداخلي لدى كل فرد، لضبط سلوكه وفق الأنظمة المعمول بها، ويحول دون العدوان والعنف الذي في أساسه اعتداء على حقوق الآخرين، وتتمثل أهم التدابير الإسلامية التي ينبغي على مؤسسات المجتمع ترسيخها، وتربية أفراد المجتمع عليها في ترسيخ العقيدة الإيمانية، كونها الأساس الأول لمنع السلوكيات الإجرامية، لقد ربط القرآن الكريم بين الإيمان والأمن في العديد من آياته.
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

إن للعقيدة الإيمانية أثرها في منع انتشار سلوكيات العنف ، وذلك لأن العقيدة هي أساس بناء الإنسان المسلم ، فالعقيدة الصحيحة هي الأساس الذي بدأ به الإسلام في تربية المسلم على السلوكيات الرشيدة التي تتسم بالرفق والرحمة، وتعتبر العقيدة قاعدة بناء الإنسان المسلم في كل مكان وزمان .

إن المحافظة الدائمة على عبادة الله تعالى لها أثر فعال وسريع في تهذيب القلوب والسلوك، وهذه العبادة تربط المسلم بالله تعالى، وتلزمه باتباع أوامره سبحانه، فتجعل سلوك المسلم يتسم بالرفق واللين في معاملاته مع الآخرين .
دور العبادة الفعالة لها دور كبير في غرس المبادئ الأخلاقية في الإنسان، فتجعله لا يتهاون في حق الله تعالى، ولا في حق أهله، ولا في حق أي فرد في المجتمع الذي يعيش فيه، وتعمل على تهذيب سلوكه، وتبعده عن العنف بجميع أشكاله .

كذلك تعتبر الأسرة هي نقطة البداية التي تتركز فيها التدابير الوقائية ضد العنف، وذلك بالعمل على استقرار وتهيئة الجو المناسب لتنشئة أسرة صالحة، فإذا ساد الحب والتفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة، أدى ذلك إلى اجتناب العنف والانحراف ، ولذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بالأسرة، ووضعت المعايير الصحيحة لاختيار الزوجين، وأرست قواعد هامة لحسن تربية الأبناء في مراحل التربية المختلفة .

ايضا يمكن أن يكون لوسائل الإعلام دور إيجابي في الوقاية من سلوك العنف، وذلك من خلال إذاعة برامج وأعمال هادفة، تعمل على ترسيخ القيم الإسلامية الرفيعة، مثل: الإيثار والرفق والتعاون، كما يمكن أن تقوم وسائل الإعلام بإذاعة الأعمال الهادفة، التي تدعو إلى التنفير من العنف، وبيان أسبابه وآثاره الخطيرة على الفرد والمجتمع، وعلى وسائل الإعلام أن تضع وسائل لعلاج هذا العنف، وذلك عن طريق عقد ندوات ومحاضرات يقوم بها علماء الدين والتربية فضلا عن نقلها لخطب الجمعة المباركة لاسيما خطبة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف .

الاعتداء على حقوق الناس وأرواحهم حرام، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولقد أرست الشرعية الإسلامية المباركة مبادئ ساميةً للمحافظة على حقوق الناس.
قال جل شأنه: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190].
كما قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151].

و هذه الكلمات القرآنية المباركة تعد بذاتها منظومة اخلاقية متكاملة ترسم لنا المسار الصحيح من أجل السيطرة على ذواتنا و ترشد الإنسان على نبذ العنف بكل أنواعه و سعيه من أجل تحقيق العدل الإلهي الذي حباه الله تعالى لعبده حينما جعله خليفته في أرضه .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك