احمد جبار الشمري
كان الحديث عن الشباب وما يزال من أسس البناء لمشاريع التغيير، ومن مكونات مشاريع النهضة وحركات التحرر الوطنية، ومن هذا المنطلق فإن تناول موضوع الشباب والتغيير يعد مسألة تتعلق بالتخطيط الاستراتيجي كما تتعلق ببناء الخطط التنفيذية لعمليات التغيير.
ويمتاز سن الشباب على مراحل العمر الأخرى بمزايا أساسية توفر له أهلية خاصة في مشاريع التغيير ومنها الطاقة والحيوية المتجددة والمتفجرة والتفاعلية مع المتغيرات والأحداث، وعلو الهمة والقدرة على العطاء البدني والعقلي، والطموح المتجدد والكبير وعدم الاستسلام واليأس، وحب المغامرة ومواجهة التحديات وعدم الخوف، ورفض الذلة والاستسلام للظلم أو التعايش معه، والقدرة على التطوير والتطور، والتخفف من أعباء الدنيا .
ويعد الحديث عن دور الشباب في التغيير والإصلاح مسألة متجددة في الخطاب العربي والإسلامي المعاصر والمستند إلى تجربة الدولة العربية الأولى وحتى دعوات الأنبياء من قبل، وهو الذي حظي بأهتمام ورعاية النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم .
وقد أثارت موجة الحشد الشعبي أو ما يعرف في بعض المصطلحات الحشد العشائري على الاستبداد والظلم والفساد الذي سببه أعداء الإسلام تحت مسميات متعددة هدفها الأول القضاء على الإسلام كان آخرها داعش منذ عام 2014 والتي خاضها الشباب بكفاءة وعلو همة ومواصلة ومثابرة وتحمل وتضحية، وتجري حالياً مراجعة شاملة لدى أطياف الفكر العربي والإسلامي في النظر إلى الدور الطليعي الذي أخذه الشباب في الثورة، من حيث دوره في القيادة وتجديدها وتطويرها، ودوره في عملية البناء الجديدة للأمة ومشروعها الحضاري، وعندما نخص الشباب في الحديث فإننا نعني الأعمار التي تناسب مقام المهمة وحاجاتها، حيث أن الجهاد والمقاومة والعمل في بناء الجيوش تعد الأعمار 16 – 25 عاماً هي المثالية بالنسبة له، فيما تعتبر سنوات 18 – 22 عاماً من أهم مراحل العطاء العقلي والمشاركة الفاعلة للشباب في المرحلة الطلابية في بناء شخصيته والتفاعل السياسي مع المحيط، بينما يمثل الشباب في سن 22-35 مشروع القيادة والريادة في بناء الأمة، وتوجيه دفة مسارها، واستعادة كرامتها، وبناء مشروع نهضتها.
ولذلك فإن جل الحديث عن الشباب يتناول هذه المراحل الثلاث وفق طبيعة المهمة والقدرات والإمكانات المتاحة واللازمة.
ولذلك فان دور الشباب في مشروع التغيير العراقي المعاصر يتمثل في إتجاهات ثلاثة، الأول: البناء والقيادة والتخطيط والإدارة والتطوير الداخلي للمشروع ليبقى حداثياً معاصراً وقادراً على الفعل، ومتجدد الأفكار والأبتكار في الوسائل والأساليب، والثاني: التفاعل مع المحيط والتأثر والتأثير به، فيما يعرف بالمعاصرة والتجدد الحضاري، والذي يمنع التكلس أو الجمود أو التخلف عن ركب التكنولوجيا، والمتطلع إلى واقع أفضل والذي لا تقعده التحديات في سبيل ذلك، الثالث: استمرار إنهاض المشروع من أي كبوة، وتقديم التضحيات في سبيل إنجاحه، وتحمل تبعات المواجهة مع الأعداء وقوة الشد العكسي في الأوطان وعلى الحدود، بما في ذلك التنافس وربما الصراع في المضمار الحضاري.
حتى نتمكن من تطوير دور الشباب بمشاركتهم وببرنامج متوازنٍ – لكنه عاجل – يقترح تبني استراتيجية تتناول مختلف جوانب البناء والتطوير لواقع الشباب، وأهمها زيادة الاهتمام بالتربية على القيادة والريادة في العطاء والتضحية والتغيير في مراحل العمر الأولى منذ الخامسة والسادسة عشرة وببناء متصاعد للانجاز بحكمة الشيوخ وعزيمة الشباب، وزيادة انفتاح قيادات مشاريع التغيير على أفكار وطموحات الشباب المعاصر، وفهم شخصيته واستعداداته وتفعيلها في الخطة والإدارة والهيكل، ورفع مستوى مشاركة الشباب في القيادة الميدانية والسياسية لمشاريع التغيير وفق متطلبات المرحلة والجغرافيا، وزيادة برامج التدريب والتخطيط والقيادة للشباب في مراحله المختلفة لتكون القيادة في مشاريع التغيير متجددة وشبابية بمجموعها، كما هو المشروع متجدد ومعاصر دائماً، وتوسيع دوائر توريث التجارب ونقل الخبرات إلى الجيل الشبابي وفق برامج منهجية على مستوى مشروع الأمة في التغيير بمكوناته المختلفة، واستبعاد نظريات الإقصاء والتهميش لقطاع الطلبة من بين الشباب، واستبداله بترشيد دورهم وفتح المجال أمامهم للتعبير عن ذواتهم وقدراتهم القيادية والفكرية، وتفعيل برامج البناء الفكري والثقافي للشباب، ونقله من مرحلة المعلومات المختصرة إلى مرحلة النضج الفكري والعقلي لتأمين قدرته على الانتقال بالمشروع بسلام وقوة وكفاءة، والتجهيز لإعداد الطاقات الشبابية وتوجيهها لمرحلة المساهمة في قيادة الدولة، بمفهوم بناء رجال الدولة والحكم المعاصر، وتبني الكفاءات الخاصة العلمية منها في مختلف مجالات العلوم والتقانة والفنون.
وفي النهاية يجب أن ندرك جيداً الدور الهام الذي يقوم به الشباب في بناء الأوطان، وكذلك يضحون بأرواحهم في أوقات الحرب من أجل الوطن، لهذا وجب على الدولة أن تقدم كل وسائل المساعدة، وتقديم يد العون للشباب، وتوفير فرص عمل مناسبة للشباب، وتثقيف الشباب من خلال المؤتمرات والدورات التدريبية، فالشباب هم عماد المجتمع، وأساس تقدمه وإزدهاره على مدى العصور منذ تولى يوسف عليه السلام شؤن البلاد وهو لا يزال شاباً.
https://telegram.me/buratha