ضياء المحسن
أصبح مصطلح الأزمة ملازما لتشكيل الحكومة العراقية في كل إنتخابات تجري في هذا البلد، الذي يعاني أصلا من أزمات عديدة، وإذا ما أضفنا الى أزماته هذه الأزمة، فإننا نخرج بمحصلة نهائية وهي أن هذا البلد لن يستطيع الخروج مما هو فيه؛ إلا بمعجزة خارقة.
مع إنتهاء عصر المعجزات فإننا نقف على مفترق طرق، أما أن يلتفت من يعتقدون أنهم الطبقة الأقدر من غيرهم على فهو واقع هذا البلد، ليضعوا مصلحة البلد فوق مصالحهم الشخصية والحزبية، أو أن يذهب كل منهم الى حال سبيله، وإلا فهي الكارثة!
لماذا الكارثة لا سامح الله؟
ينسى القائمون على مقدرات البلد أنهم يتنعمون بخيرات البلد، من خلال تصدير النفط، وهذا المورد الوحيد الذي يمول الميزانية، ويعيش عليها أكثر من 36 مليون مواطن، لكن هذا المورد يتعرض الى هزات لا يمكن لهم أن يتجاوزوها؛ لأنه خارج سيطرتهم، فهذه الهزات والتقلبات محكومة بعوامل خارجة عن قدرتهم على التحكم بها، فمن عوامل سياسية، الى أخرى تتعلق بالطقس، وثالثة تتعلق بالإضطرابات في هذا البلد المنتج للنفط أو ذاك، بما يجعل التحكم في سعر النفط بالنسبة للعراق أمر بعيد المنال، لذلك كان الأجدر بهم التفكير في الإستفادة من الثروات الكامنة الأخرى الباطنة والظاهرة، لكن محدودية تفكيرهم جعلت العراق أسير أحادية تمويل الميزانية يتوقف على تصدير النفط.
لقد مرت على العراق خمسة عشر عاما منذ سقوط نظام صدام الى اليوم، ومع ذلك فإن الإقتصاد العراق لا يزال يعتمد في أكثر من 90% على بيع النفط، الأمر الذي يعني بقاء الإقتصاد العراقي رهين بما يجري من تقلبات لا يستطيع التحكم بها، وبما أن البلد بحاجة الى إكمال بناه التحتية في مختلف القطاعات الأساسية (الخدمات، القطاعات التحويلية، القطاع الصناعي) فإن أهم شيء أن يجد المستثمر بيئة آمنة مع وجود نظام سياسي مستقر، وهو أمر لم نجده طيلة الأعوام الماضية.
تأخر تشكيل الحكومة لا يقتصر على ما ذكرناه، ذلك أن سوق العمل والتجارة هي الأخرى تتأثر، بسبب عدم قدرة الحكومة على توقيع الإتفاقيات وإحالة المشاريع الى الشركات، خاصة تلك المشاريع التي تكون بحاجة الى موافقات مجلس النواب، كما أن الحكومة غير قادرة الأن حتى مع وجود وفرة مالية نتجت عن الفارق بين سعر برميل النفط الذي حددته موازنة العراق، وبين سعر النفط في السوق العالمي، هذا الفرق يقترب من 20 دولار للبرميل الواحد، وبلغة الأرقام فإن الوفرة المالية المتحققة الى نهاية شهر تموز تتجاوز العشرين مليار دولار، لا تستطيع الحكومة الحالية التصرف بهذا المبلغ الضخم، لعدم وجود موازنة تكميلية للعام الحالي.
الأنكى من ذلك وبمناسبة الحديث عن الموازنة، فإننا نقترب شيئا فشيئا من نهاية العام الحالي، وبداية عام جديد، وهذا يعني إعداد موازنة العام القادم، وبحسب التوقيتات الزمنية فغنه من المفترض ان تكون موازنة العام القادم الأن أمام مجلس الوزراء لمناقشتها، هذه المناقثشة تحتاج الى ما لا يقل عن شهر لتعديلها ومن ثه إقرارها من قبل المجلس وإرسالها الى مجلس النواب، والذي هو بحاجة الى دراستها ومناقشة أبوابها، وإجراء التعديلات اللازمة عليها، وبعد ذلك إقرارها وإرسالها الى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية، كل هذا في الأوقات الإعتيادية يكون بحاجة الى ما لايقل عن ثلاثة الى أربعة أشهر، فإذا ما حسبنا الأربعة أشهر هذه من تأريخ تشكيل الحكومة القادمة، والتي في أفضل الأحوال ستكون في الشهر العاشر، فإننا سنشهد إقرار للموازنة في الشهر الثالث من العام القادم، وهذا يعني توقف العمل في جميع القطاعات حوالي ربع السنة.
لا نريد أن نكون متشائمين في ما كتبناه، لكنها حقيقة نضعها أمام من وصل الى قبة البرلمان، لعلهم يضعون خلافاتهم الحزبية والمناطقية والطائفية والقومية جانبا، ويعملون لصالح الشعب الذي إبتلاهم رب العالمين بهم، لأنه سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان وكان ظلوما جهولا.
https://telegram.me/buratha