اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب الباردة، وفي محاولة منها لتحييد الإتحاد السوفيتي السابق على عدد من اللاعبين في المنطقة، وكان تأثيرها آنذاك إيجابيا في مجمله، ولم تكن بحاجة الى إستخدام قواتها (سواء على الأرض أو في الجو)، وكان الغرض من ذلك بالإضافة الى ما سقناه؛ التأكد من تدفق النفط والغاز الى الأسواق العالمية وعدم حدوث أزمة شبيهة بأزمة حرب تشرين 1973.
أتاح هذا الأمر للولايات المتحدة والذي يحارب فيه هؤلاء اللاعبون عنها بالنيابة، بقاء جنودها بعيدا عن مرمى النيران، كما حصل في حرب فيتنام، والذي خرجت فيه خاسرة بسبب صلابة الشعب الفيتنامي.
لكن الأمر تغير كثيرا بعد عام 1991، عندما شنت حربا على العراق لإخراج الجيش العراقي من الكويت، وما تبعه من فرض عقوبات على نظام صدام، والذي رافقه سقوط الإتحاد السوفيتي السابق، فأصبحت الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المسيطرة على العالم، وتتحكم من خلال لاعبيها في المنطقة بمصادر الطاقة التي تذهب الى أوربا والصين.
أصبحت الولايات المتحدة بعد عام 2003 داخل منطقة القتل، بعد إشتراك جنودها وطائراتها في إسقاط نظام صدام، بحجة المجيء بالديمقراطية لهذا البلد وجعله نموذجا يحتذى به أمام شعوب المنطقة، وهو الأمر الذي ولد الخوف لديها، فوقفت ضد هذا المشروع لسنوات طويلة، سواء بالمال أو الرجال، حتى أنها جندت وسائل الإعلام لديها لإسقاط هذه التجربة، مع أن هذه الدول تعتبر من أدوات الولايات المتحدة في المنطقة، فما هو السبب في ذلك؟
يكمن السبب في ذلك أن الولايات المتحدة سمحت لهؤلاء اللاعبين بالتدخل في أمور عصية الفهم عليهم، فهم يتعاملون معها من منطق لمعارضة ليس إلا، الأمر الذي نتج وضع الفشل على الولايات المتحدة، ونحن هنا لا نقول أنها بريئة كبراءة الذئب من دم يوسف، لكن يفترض بأنها تعلم حدود وإمكانية تفكير كل لاعب من اللاعبين الإقليميين الذي يسيرون في فلكها.
إن الإحتلال الأمريكي للعراق تسبب في الإطاحة بنظامها الذي حاولت بنائه، ويكون النموذج العراقي ماثلا للعيان، ولم يقتصر الأمر على ذلك، عندما ساندت المملكة السعودية في حربها ضد اليمن، وحتى مع مئات المليارات التي صرفتها الأخيرة في حربها ضد اليمن؛ لكنها لم تنجح في فرض نظام تابع لها في هذا البلد الصغير.
الأن الولايات المتحدة تواجه مشاكل متعددة، ليس أهونها مشكلة الإتفاق النووي مع إيران، فهذه تركيا التي خرجت من شرنقة الولايات المتحدة تتمرد، والعراق تتعرض الديمقراطية الى هزة عنيفة في أي وقت، بسبب تشرذم (الفعاليات السياسية) التي لا تفقه في العمل المؤسساتي، كونها لا تزال تفكر بعقلية المعارضة.
بعد هذا وذاك، هل يمكن للولايات المتحدة أن تمارس تأثيرها على لاعبيها الذين انتجتهم بنفسها؟ لا نعتقد أن الولايات المتحدة تستطيع التأثير بصورة كلية على اللاعبين الذين خرجوا من شرنقتها، ما يتطلب الأمر إعادة وضع تصورات جديدة للمنطقة، والتفاعل بصورة أكثر واقعية مع الفعاليات السياسية الصاعدة، والتماهي مع متبنياتها خاصة فيما يتعلق بإدارة البلد بعيدا عن المحاصصة التي جاءت بها وفرضتها في الدستور، مع أن واضعي الدستور العراقي قد عالجوا هذه المسألة من خلال وضع جدول زمني لإزالة ما يتعارض مع الواقع الإجتماعي والعقلية العراقية، لأنه من المتعارف عليه أن ليس تجربة تنجح في ميدان ما تنجح في ميدان أخر.
وللحديث صلة..
https://telegram.me/buratha