عمار الجادر
ماذا يعني بحكم الصبيان؟! حكم الصبيان: هو التصدي لادارة شؤون الناس من قبل ذوي العقول الطائشة، الذين لا ينظرون الى مستقبل القرار، بل ينظرون الى ما يوطد حكمهم وهيمنتم.
هناك فرق كبير بين المصطلح او الصفة، وبين شخص الموصوف، فعندما نقول تصابى او تصرف بصبيانية، لا نقصد ان السن هو سن الصبا،بل نقصد ان التصرف صبياني، اي ان صاحبه تصابى لكسب رضا الجمهور، واصبح بهلواني، فقط لكي يكون هو سيد الموقف، بينما هو سيد وهم وانالجمهور يصفق لاداء الخيال، وهذا ما يحدث اليوم في العراق خاصة، وفي العالم عامة، حيث تربع المتصابين وتصديهم لمجتمع غابت معالم ميزته الاساس.
يحكى ان هناك دولة، كانت تحكم من قبل هيئة خبراء، ودرجة الخبير تأتي بعد عمر قدره سبعون سنة من التصدي لفنون الحياة، وكانت تلك الدولة كثيرة الخيرات، عصية على الطغاة، متراحمة ومتحابة، حتى ولد لزعيمها ثلاث اولاد، كان اثنان منهم يجلسون في باب دار الحكمة، والتي كانت بمثابة مجلس للخبراء، يتداولون فيها شؤون البلاد، ولكن صغيرهم لانه صغير تصابى له والده فجعله يجلس على طاولة الشورى.
احد الخبراء اعترض على ذلك، ولكن لان الامر لا يستحق بنظر الاخرين، ولحب الزعيم لولده بقي ذلك الفتى يجلس جنب والده، فعندما يخرج يلتقي بفتيان الدول المجاورة، شيئا فشيئا استطاع احد اليهود، ان يتقرب كثيرا من ذلك الفتى، ووسوس له بان خبرته فاقت هؤلاء الشيوخ، الذين طعنوا في السن وليس لديهم خبرة، ولكن لتخليص الحكم من نفوذهم عليه بالتصدي لانشاء دار حكمة شبابي، فاستحسن الفكرة وانشأ ذلك.
اعترض الشيوخ على ذلك، ولكن فيهم من استحسن الفكرة، ليتصابى الى ولده الذي هو الاخر داخل دار الحكمة الشبابي، وهكذا غاب الرأي السديد، حتى مات زعيم الدولة، فعاد اليهودي لابن الزعيم الشاب، ليقنعه ان عليه التصدي، لما يملك من خبرة الكهول وهمة الفحول، فاستحسن الفكرة متناسيا انه لم يستفد بعد من خبرة الكهول، وقام بطرد الكهول الذين لا يواكبون التطور الجيلي، وبعدها امر الشرطة بقتل كل شخص يبلغ الستين من العمر.
كانت هذه سنة الوالي على اهل بلدته، حتى لم يبقى من اصحاب الستين عاما، الا الوالي نفسه، ورجل اخفاه اولاده من الوالي وقالوا انهم احرقوه، فانتهز اليهودي الفرصة، وشن هجمة على المدينة بالفيلة الافريقية، ولما كان جيش اليهود اقوى عدد وعدة، كبد اهالي المدينة خسائر فادحة، والوالي لا يملك خبرة ولا مكر، فذهب احد الشباب من ابناء الشيخ الذين خبئوا والدهم، الى والده ليستنير بحكمته.
اقترح الشيخ على ولده، بان يجمعوا فئران من تل الفئران ويلقوها على جيش الفيلة، وبالفعل نفذ ذلك الشاب ما قاله ابوه، فاخذت الفيلة تفتك براكبها وجيشه، ولما تخلصت المدينة من جيش اليهود الفيلة، سئل الزعيم صاحب الرأي الشاب، من اين أتيت بتلك الفكرة؟! اما ان تقول الحقيقة او ان تقتل، فقال له ان من اوحى الي بالفكرة، هو من امر امرا ولم يطبقه على نفسه، فعرف ان للشاب ابا لم يقتل بعد الستين عاما، فامر الزعيم بتمزيق الامر وكبح جماح صباه.
يا ترى هل عاد اليهود الى خطتهم تلك؟! وهل يتصابى ذوي الخبرة الى صبيانهم؟! هذا ما نشاهده في حكم الصبيان، وفي التأريخ عبرة لذوي الرأي والبيان.
https://telegram.me/buratha