المقالات

مباحث في الاستخبارات (68) إنفاذ القانون

3438 2017-04-22

-------------

مدخل

-------------

لطالما فرقنا في مقالاتنا السابقة بين الاجهزة الاستخبارية والاجهزة المكافحة , وقلنا ان الادوار الاستخبارية هي مقدمات لاعمال المكافحة وهي التي تحدد لها الاهداف لتقوم الاخيرة بالقاء القبض على المجرمين او منع الجرائم .

وبالرغم من ان تلك هي القاعدة الواضحة الا ان هنالك استثناءآت يكون خلالها كل فرد في جميع القوى الامنية والعسكرية  والاستخبارية هم عناصر انفاذ قانون , ولكن تلك الاستثناءآت محدودة ومقتصرة بفترات زمنية محددة غير مفتوحة , لان اختلاط المهام بشكل دائم يعني فوضى دائمة واختلال بالامن , وهو حالنا في العراق للاسف الشديد.

------------------------------

سلطة القانون بيد من ؟

------------------------------

ان سلطة القانون او تنفيذ سلطة القانون غالبا ما تكون بيد الاجهزة الشرطوية والامنية وتبعد الاجهزة العسكرية والاستخبارية عن اي ادوار لإنفاذ القانون.

فرجل الشرطة ورجل المرور ورجل اطفاء الحرائق ورجل الامن والمكافحة يكتسب قدرته وقوته من تفويض إنفاذ القانون الذي يمنح له , فهو ضابط قضائي وقانوني يتمتع بصلاحية إنفاذ القانون.

بل ان القانون اجاز لرجل المرور ان يكون قاضياً بلا شهود او اجراءات قضائية فهو يعترض العجلة ويعاقب ويغرم المخالف بلا اي تدخل من  محامي او مرافعة او اصول محاكمات , ذلك لان تنظيم السير والحفاظ على حياة الناس وحماية المواطن من المخالفين يتطلب هذه الصلاحية لإنفاذ القانون التي يمنحها المشرع والقانون لرجل المرور.

وكذا هو الحال لرجل الامن والشرطة فهو يمكن ان يلقي القبض على اي شخص بقوة القانون وهو منفذ السلطة القضائية واداتها لضبط الشارع وتأمين الناس وإنفاذ القوانين

وتجيز الدول حالات التوقيف ليوم او يومين دون اذن السلطة القضائية لصالح رجل الشرطة والامن لمعالجة المخالفات والجرائم والجرم المشهود وفض النزاعات ودفع الخطر وانقاذ حياة الناس.

فاذا كان الشرطي في دورية او مارا من مكان وشاهد ارتكاب مخالفة او جريمة , هنا يحق له اتخاذ الاجراءات وانفاذ القانون والسيطرة على الموقف ودفع الضرر والتأمين دون الرجوع للقاضي , ومن ثم يقوم باحالة المتهمين والشكاة الى السلطة القضائية.

-----------------------------------

الاستخبارات وانفاذ القانون

------------------------------------ 

لا تختلف الدول بأن الاستخبارات بانواعها هي جزء من الجهاز الامني او من منظومة القوات المسلحة , ويحاسب منتسبو الاستخبارات كرجال امن او عسكر في المحاكم العسكرية ذاتها التي يحاكم بها عناصر القوات المسلحة.

وتعمل الاجهزة الاستخبارية على عدة اوجه او اشكال في مجال تقنين الجهد الامني , وتوضع ضوابط للفرز بين العمل الاستخباري والعمل الامني المكافح.

لكن اكبر واجب تقوم به الاستخبارات هي عملية تمكين اجهزة الامن من إنفاذ القانون وانتاج البنية التحتية اللازمة لإنفاذ القانون , وتكون هي الدليل والعين لإنفاذ القانون , فليست كل جريمة هي جرم مشهود وعلني , بل ان اغلب الجرائم تقع بالسر والخفاء وتُعرف بعد وقوعها,  ومن دون الاستخبارات لايمكن إنفاذ القانون والاستدلال على مكمن المخالفة والجريمة.

فشرطي المرورالمسؤول عن إنفاذ القانون في مجاله  لايتمكن من إنفاذ القانون بلا بنى تحتية للمرور كالطرق , اجازة السوق , الاشارات ,العلامات , المطبات , الخطوط , الثقافة المرورية , المجسرات, الانفاق , شركات التأمين , وغيرها كثير , وكل ذلك حتى يستطيع شرطي المرور ان ينفذ القانون ويحاسب ويعاقب ويغرم ويحجز .

مانعنيه هنا ان رجل إنفاذ القانون لايستطيع القيام بعمله في الجرائم التي تدور بالخفاء مالم تهيأ له معلومات محددة تتيح له امكانية تنفيذ واجباته , وهنا هو دور الاستخبارات.

---------------

الاستثناءآت 

---------------

يضع المشرع في قانون اية مؤسسة امنية (بما فيها الجيش والاستخبارات) بانها مستحدثه ضمن قانون وواجبها إنفاذ القانون وحماية اقليم الدولة وامن البلد وحماية الشعب. 

وبالرغم من كل ماقلناه عن تقسيم الاعمال بين الاستخبارات والمكافحة الا ان هنالك استثناءآت تتيح احياناً لتلك الحدود بين العملين ان تتلاشى شريطة ان تكون ضمن حالات محدودة ولفترات زمنية محدودة .

فاذا كان هناك انسان مهدد بالخطر , وتواجد شخص من الاستخبارات فهل يخفي هويته ام يقوم بدور انفاد القانون وحماية المواطن من خطر الاعتداء ؟ بالطبع يحق له ,بل واجب عليه ,ان يقوم بعمل إنفاذ القانون اذا تطلبت الضرورة , اي ان كل عنصر استخبارات يمكن ان يكون ضابط قضائي في الضروره القصوى ضمن تجربة ووضع محدودين .

كما ان  الاستخبارات الداخلية او الجنائية قد تبقى بحدود جمع المعلومات , لكن ما دامت تعمل داخل حدود الدولة وبإذن الحكومة وبقانون وتحت سقف سلطة القضاء , فهي اذن جهاز إنفاذ قانون ولكن بشكل سري و غير محسوس وغير بارز.

كما ان الجيوش تستدعى في حالات الطوارى لإنفاذ القانون , فدورها القتالي هو لفرض القانون وطرد وقتل واعتقال كل من يهدد امن البلد وكذا الامر مع حرس الحدود و جميع المؤسسات الامنية.

 ورغم ان الدول لا تمنح صفة إنفاذ القانون للاجهزة الاستخبارية حفظا لعملها السري وضرورته في تنظيم مراحل إنفاذ القانون لصالح المؤسسة الامنية , ولكن احياناً تمنح بعض الاجهزة دون غيرها سراً سلطة انفاذ القانون كما في عمليات الاستخبارات الخارجية والاستخبارات العسكرية .

 والامر ذاته ينطبق على اجهزة مكافحة التجسس , فمؤسسة مكافحة التجسس توضع على المستوى الوطني العام لان عملها هجومي وهي جهاز انفاذ قانون , لانها تمنع سرقة المعلومات واعمال تجنيد المخبرين والاختراق وسرقة معلومات الدولة وغيرها , اما حماية المعلومات الخاص بدائرة ما فهو امن معلوماتي .

-------------------------------------

تداخل المسؤوليات في العراق

-------------------------------------

المشكلة في العراق تكمن في  تعدد مرجعيات إنفاذ القانون وعدم وضوح الادوار  مما اضر كثيرا بعملية إنفاذ القانون , فانتاج مرجعيات متنوعة نتيجة وجود الجيش بالمدن ووجود كيان قيادات العمليات وتنوع القوى الامنية اضاع الواجبات والادوار والاهداف. 

فبالرغم من اقرارنا بالاستثناءآت التي تحدثنا فيها عن تبادل الادوار بين الاستخبار والمكافحة , الا ان الوضع في العراق اختلط فاصبح الاستثناء هو القاعدة والعكس بالعكس . 

 في كل دول العالم , تكون الجهة المسؤولة عن إنفاذ القانون هي وزارة الداخلية , وعند الحاجة فقط , تُدعّم بالجيش والاجهزة الاخرى لفترة محددة , بينما في العراق تُسلب الداخلية من اهم واجباتها وهو إنفاذ القانون , وتعطى مهامها الى الجيش , والعكس بالعكس حيث يمسك الجيش بالمدن ويقوم بانفاذ القانون بينما يدفع بقوات الداخلية للحرب , وهي قمة الفوضى .

------------

خلاصة 

------------

ان إنفاذ القانون والحرص على حماية القانون هي عملية تكاملية بين اجهزة الامن والمواطن والمسؤول واجهزة الاستخبارات .

وتحرص اجهزة الاستخبارات المحترفة دوماً على انتاج المعلومات اللازمة لرجل الشرطة والامن مما يسهل عليه إنفاذ القانون وضبط وتنظيم الحياة واحقاق الحقوق واستتباب الامن.

ولا يمكن الوصول الى مستوى امني جيد ومستقر بلا وضوح لمرجعية إنفاذ القانون وبناء المؤسسات اللازمه لذلك .

فالاستخبارات تقصر المسافات وتوجه عملية إنفاذ القانون بشكل اسرع وافضل بلا تشتيت الجهد وايذاء المواطن والتعدي على حقوقه العامة والخاصة.

ولعل مقولات .. الشرطة في خدمه الشعب..والجيش سور الوطن .. و الاستخبارات العين الساهرة , هي شعارات تلخص تقسيم الواجبات التي اذاما اختلطت فانها تؤدي الى صراع الاجهزة على حساب امن المواطن, والله الموفق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك