========
مدخل
========
الاستخبارات جهاز سري يعمل في الخفاء بأعمال غير شرعية او قانونية , فهو مكلف ان يراقب المواطن والاجنبي ويطلع على اسرار الدولة , ويدخل الى اسرار الناس ويطلع على ارتباط الاخرين ويستمع الى مكالمات وحوارات الجميع ويطلع على نقاط ضعفهم ومشاكلهم , ويخترق العصابات والعدو والمتعاون مع العدو والمشتبه بتعاونه مع العدو , ويطلع على حال المجرمين والمخططين للجريمة , ويعرف الفاسد ومن ينوي ايذاء الناس والدولة , ومن هو خائن ومن هو جاسوس ومن هو عميل ومن هو سارق ويتعاون معهم احياناً بالتجنيد.
ان هذه السرية تفقد الجهاز الاستخباري الشفافية واصول المراقبة , وتصعب على الحكومة مراقبة هذا الجهد لكونه يتم في اغلب الاحيان باسلوب غير شرعي لا تستطيع الحكومة الاعلان عنه.
ومن هنا , فإنّ الجهاز الاستخباري سيف ذو حدين وخطر داهم دوماً رغم اهميته القصوى , وكلما تطور الاداء الاستخباري وازداد احترافاً , كلما زادت المخاطر التي تصاحبه وزادت المحاذير التي توجب السيطرة عليه.
==================
الامراض المصاحبة للسرية
==================
لقد تعرضت اكبر الاجهزة الاستخبارية في العالم لإنتكاسات بسبب السرية , وتكاد تتشابه الامراض او المخاطر التي تصيب الاستخبارات في كل انحاء العالم , بسبب البيئة المتشابهة الخاصة بالجهد الاستخباري في كل مكان
وسنتناول هنا ابرز مخاطر العمل الاستخباري في الاستخبارات المحترفة ( وليس في الفوضى التي لدينا) , وهي:
1- الخيانة -
من مخاطر سرية الاستخبارات ان تصطف مع حزب او قائد على حساب الوطن , بل وتتورط بعمليات اغتيال وتصفيات ومؤامرات , وبذا يذهب الجهد الاستخباري الى الفئوية والحزبية والجهوية والدكتاتورية والتحايل على الدوله , وقد تتورط الاستخبارات في عمليات تمرد وتخريب وتفجيرات وقتل وانقلابات وتصفيات او التآمر على بلد حليف او خارج نطاق اهداف واوامر الدولة او دعم جناح مسلح او مافيا وغيرها من اشكال الخيانة , وهنا تتحول من استخبارات وطنية الى منظمة سرية.
2- التجسس والعمالة -
بسبب العمل على مقربة من العدو , قد ينجح العدو باختراق الجهاز او قياداته , فيتحول الى جهاز يعمل لصالح العدو اوعميل للعدو او ينفذ ادواراً لصالح العدو .
وقد يكون هذا المرض منتشر لدينا في العراق , فهناك من يعمل لأمريكا واخر لدول الخليج واخر لايران , سواء بشكل مباشر او ان يكون بشكل غير مباشر كأن يصبح الجهاز ملكاً لأحد الاحزاب التي تودي دور العماله الى خارج البلد ويتحول الجهاز من جهاز وطني الى جهاز ضد الوطن والشعب والدولة .
3- الفساد -
من مخاطر العمل السري الاستخباري انتشار اوجه الفساد المالي والاداري والامني والفضائيين والمحسوبيات وتعيين ابناء المسؤولين وبيع القضايا والتغاضي عن الاعترافات وعن تهريب الارهابيين , وبيع المعلومات الاستخبارية الخاصة بالمخبرين والمصادر وتوقيتات الهجوم وتسهيل عمل المافيات والتهريب وغيرها.
بالطبع , فانه في بعض الدول المتخلفة يُسمح للاستخبارات بالقيام ببعض اعمال التجارة او اداره اعمال تجارية او الاشراف عليها بحجه الاكتفاء الذاتي او بحجة الواجهات المموهة , وشيئاً فشيئاً يصبح الجهاز مركزا تجاريا ومكان للسرقة والاختلاس.
4- الاستغلال الوظيفي -
تمارس بعض الاجهزة الاستخبارية الابتزاز من خلال معرفة اسرار الاخرين التي يتم تهديدهم بها بالاضافة الى التلاعب بالمعلومات وتلفيق اخبار كاذبة ضد مواطنين والتدخل في العدالة وترهيب الاصوات و التزوير واستغلال الملفات السرية ضد المنافسين والترويع والاستهداف من خلال الفضائح بالصحافة وغيرها.
5- الفشل -
قد لاتكون الاستخبارات خائنة او فاسدة , ولكنها تكون فاشلة , فالاستخبارات تأسست لحماية المواطنين والوطن والدولة وان تكون عينها من اي اعتداء.
فعندما تغمض العين تسيل الدماء ويقتل الناس وتضيع الثروات ويسرق الوطن ويقوى الارهاب والفساد وينهار الوطن والمواطن وتستباح الحريات والحقوق ويكثر الفساد , وكل ذالك بسبب فشل العين من اداء واجبها الحقيقي الذي تأسست من اجله حتى لو كانت النوايا طيبة.
=======================
محاذير العمل الاستخباري في العراق
=======================
برغم ان اربعة من الامراض الخمس التي ذكرناها قد اصابت اجهزتنا الاستخبارية في العراق بنسب متفاوتة تحتاح الى دراسة وتحقيقات وتدقيق من قبل الخبراء , لكن ميزة المرض الخامس ( الفشل) إنه لا يحتاج الى تدقيق او دليل , لأن الشعب العراقي بأجمعه يعرف , من خلال النتائج على الارض , انه لا يملك استخبارات حقيقية, وان اجهزته الاستخبارية فاشلة ولا قِبَل لها بمقارعة الارهاب.
ان عدم توفر ادارة متخصصة على رأس الاجهزة الاستخبارية العراقية , وفقدانها لأي توزيع في المهام وعدم مطالبتها او تحميلها المسؤولية عن اهدافها وعدم وجود ادارة للمجتمع الاستخباري او الهيئة الوطنية للاستخبارات وفقدان كافة انواع الرقابة سواء الادارية اوالامنية اوالنفسية اوالمالية اوالقانونية اوالتشريعية اوالفنية وعدم وجود تقييم للاداء بالاضافة الى الفساد المستشري , كل تلك الامور تجعل مخاطر اصابة الاستخبارات بالعدوى كبيرة.
ان عدم وجود ادارة للمجتمع الاستخباري نتج عنه عدم تحديد وتوزيع للاهداف وعدم توفر امكانية ادارة الاجهزة الاستخبارية , والغريب في الامر ان في الدولة يوجد لكل شيء مرجعية ابتداءاً من الصرف الصحي الى التعليم والصحة والنفط وغيرها الا صنف الاستخبارات الذي يفتقد الى المرجعية الفنية التخصصية .
ان لدينا سبعة جهات استخبارية , وهي استخبارات وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني وجهاز المخابرات والاستخبارات العسكرية والاستخبارات والامن في وزاره الدفاع واستخبارات جهاز مكافحة الارهاب واستخبارات هيئة الحشد الشعبي وايضا الاسايش واستخبارات قوات البيشمركة وكل هذه الجهات تعمل دونما تنسيق فيما بينها.
فلايوجد تقسيم واضح للمهام فيما بين تلك الجهات , ولاتوجد جهة تحدد اين نقاط الضعف والقوة والاخفاقات والامكانيات والانتشار والنفوذ والمصادر والمخبرين واليات التنسيق والتدريب والخبرات واللقاءات الدورية ومستوى التعاون والمعالجة والتقييم ومرجعية الملفات والاقدمية و السلم الوظيفي والميزانيات والبحوث وتطوير الكادر والملاكات ولايوجد من يحدد الجهة التي تكون استخبارات جنائية ومن تكون عسكرية ومن تكون ميدانية ومن تكون هجومية اودفاعية , وهذا غيض من فيض , ولنا ان نتصور حجم الفوضى والتخبط في عمل الاجهزة الاستخبارية لدينا .
==================
فوضى غياب التخطيط
==================
ان المجتمع الاستخباري العراقي يمر بفوضى عارمة من الصعب تجاهلها لاسيما وان مصاديق تلك الفوضى موجودة في كل مكان , فترى ان جهاز المخابرات يعلن انه اطلق سراح طفل مخطوف , واستخبارات الداخلية تعلن انها نفذت عمليه نوعيه ضد رتل للارهاب واستخبارات الدفاع كشفت عصابه سرقة , وهذا مؤشر على الفشل وعدم معرفة كل جهاز بواجباته ويدل على عدم وجود تنسيق اوتقسيم للمهام .
فعندما لا يكون للاستخبارات واجب محدد واموال محددة ورقابة محددة واولويات محددة وادارة محددة وقيادة وسيطرة محددة وبرنامج وجهد محدد وملاك محدد وانشطة محددة, وحين يقود اجهزتنا الاستخبارية اناس لاعلاقة لهم بالاختصاص وطاردون للمهنية , فهذا يعني اننا وضعنا الاستخبارات في انهيار وفساد لاحدود له , ولانستغرب حينها حين نعلن سنوياً منذ اكثر من عقد من الزمان عن اعتقال الاف الامراء والوزراء من الارهابيين , ثم نكتشف صبيحة يوم ما ان ثلث العراق ابتلعها امراء ارهاب آخرون , فمن هؤلاء الذين اعتقلناهم إذن !!!؟
ومن هنا نستنتج ان جميع الاخفاقات قد توافرت لدى اجهزتنا بشكل او بآخر , وكلها مسكوت عنها بما فيها اهم اخفاق وهو الفشل الذي قادنا في احسن احوال الاصلاح ان نستبدل في هرم القيادة الامنية مضمدا بطبيب في افضل الاحوال!!!!!!.
واذا كان توصيف الحكومة التي تضع المضمد في موقع استخباري فأن الحكومة قد خانت الشعب والقسم وثانيا ذهبت الى تدمير الاختصاص , ولكن الامر الغريب هو قبول المضمد او الطبيب بقيادة جهاز استخباري دون وازع من ضمير او خجل .
وبالطبع فان التفسير الوحيد لفوضى قيادة الاجهزة الاستخبارية هو ان تلك الاجهزة الحساسة قد خضعت لأكبر عملية تدمير منظم من خلال التدخل الحزبي في تقاسم المناصب , حيث ادى الصراع الحزبي الى سيطرة الولاءآت الحزبية والطائفية على العمل الاستخباري السري , فترى الجهاز قد تحول الى يد ضاربة للحزب .
===========
معالجات عامة
===========
ذكرنا في مبحثين سابقين (الحلقة 13 و51 من سلسلة مباحث في الاستخبارات ) بعض طرق واساليب مراقبة وحماية الجهاز الاستخباري ونضيف هنا ان الدول المحترفة قد عمدت الى اجراء مراجعات سنوية ودورية للاهداف والواجبات والمهام الخاصة بالاجهزة الاستخبارية , كما تتم دراسة المخاطر والخروقات على يد خبراء محترفين في النشاط الاستخباري ويتم تقييم الاداء والجهد وعلى ضوء ذلك يتم التاهيل والتفعيل.
لقد شخصت الدول (من خلال التجارب) ابرز الامراض التي تصيب الاستخبارات ووضعت مجسات لها لكي تتحسس الاصابة من البداية لتمنع استشراء المخاطر في جميع مفاصل اجهزتها , ووضعت علاجات ومضادات علمية تحفظ ادوار الاستخبارات المهمة وتمنع تضرر جهدها الاستخباري وتحافظ على استمراريتها.
=======
خلاصة
=======
ان كل عمل سري هو عمل قابل للاعوجاج والانحراف , فمابالك اذا كان عمل يشمل التجسس والاسرار العليا للدولة , ومن هنا لابد من يكون العمل الاستخباري تحت رقابة مستمرة من جوانب عدة بما يضمن عدم انحرافه عن مهامه من جهة , وعدم عرقلة سرية مهامه من جهة اخرى , وبدون تلك الرقابة يكون الجهاز الاستخباري قنبلة موقوتة لانستغرب ان يكون ريمونت كونترولها بيد الاعداء , والله الموفق .
https://telegram.me/buratha