ينقل ان احد الأطباء كان يسير بجوار نهر ، عندما سمع احدهم يطلب النجدة وهو يغرق ، فذهب الطبيب مسرعاً وأخرجه من النهر ، واجرى له الإسعافات الأولية لينقذه ، وفي نفس الأثناء سمع نداء استغاثة ثاني من رجل اخر يغرق في النهر ، فذهب وأخرجه ، وبعدها سمع نداء رجل ثالث يغرق ، ومرة اخرى عاد الطبيب لينقذه ، عندها سمع الطبيب صرخة رابعة وخامسة وسادسة ، فنظر الطبيب الى اعلى النهر ، فوجد رجلاً يمسك بالمارة ويلقي بهم في النهر !
مرت علينا فاجعة الكرادة ، حيث تعجز الكلمات عن وصف بشاعة ووحشية الفاجعة ، التي ذهبت ضحيتها اكثر من مئتين شهيد وثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى ، والتي تعتبر استمراراً للعمليات الاجرامية والابادة الجماعية التي يتعرض لها وطني ، ولا زلنا نركض هنا وهناك ، وندفن هذا وننعى ذاك
تراشق التهم هو الصفة الغالبة ، فوزارة الداخلية تعلن عدم مسؤليتها ، بحجة ان أمن بغداد من اختصاص عمليات بغداد ، وهذا ما أكده العديد من الخبراء ، وعمليات بغداد ترمي بالتهمة على الداخلية وجهات سياسية ، وحالنا كحال الطبيب نركض لهذه الضحية وتلك حتى وصلنا لمرحلة خطيرة لم نمر بها سابقاً من حيث اليأس والقنوط والتذمر
اذا لم يتم تحديد المشكل الرئيس ، وجذور المعضلة الامنية ، سنفتح اعيننا في احد الايام نجد الناس تتقاتل فيما بينها وتتراشق التهم ، اذ المعضلة الامنية ذات جانبين مهمين ، الجانب السياسي هو احد الجوانب الاساسية التي تسبب الانتكاسات الامنية منذ مدة طويلة ، فألامن مرتبط بالاستقرار السياسي ، ومالم نحقق الاخير سيكون من الصعب بمكان تحقيق الأمن ، وحفظ دماء الناس الأبرياء ، وهذا يتطلب الاتفاق على رؤية محددة للمرحلة القادمة تضع الخلافات وتصفية الحسابات جانباً ، والانطلاق نحو أفق اكثر وطنية ورغبة في الاتفاق وان صاحب ذلك بعض التنازلات البسيطة ، فالوطن اهم والتاريخ لا يرحم
الجانب الثاني والذي لا يقل أهمية عن سابقه ، هو قيادة الأجهزة الامنية ذاتها ، القادة الذين ثبت فشلهم يجب ان يحاسبوا حساباً عسيراً كي يكونوا عبرة لأقرانهم ، بينما نحن نشاهد ان القادة المتسببين بسقوط الموصل وثلث العراق ، لا يزالون أحراراً لم يتعرض لهم احد ، وهذه كارثة ، اضافة الى ذلك مشكلة توزيع الصلاحيات والمهام بين الأجهزة الامنية متداخلة وشائكة بشكل كبير مما يسبب عدم وضوح في الرؤية الامنية ، ويسهل من عملية التملص من المسؤولية الملقاة على عاتقهم
عمليات بغداد احد الأجهزة التي اثبتت فشلها ، ونجحت بدرجة تفوق في الفشل ، اذ تعتبر جهاز غير دستوري استحدثه رئيس الوزراء السابق ، وهو يزاحم وزارة الداخلية في مهامها ، ويعتبر احد الأسباب الرئيسة في تردي الوضع الامني ، اضافة الى وجود قيادات بعثية داخل هذا الجهاز ، لم يتم اجتثاثها ولم يتم التأكد من ولائها للعراق الجديد والتجربة الديمقراطية الوليدة ، الحل هو الدماء الجديدة التي تم تدريبها ، وأمنت بشكل مطلق بالعملية الديمقراطية ، وبالعراق الجديد المتعدد القوميات والاعراق والطوائف ، ومن غيرهم سنبقى نعاني من العقد العفلقية والولاءات المشبوهة التي لن تجلب لنا غير الدمار ، وفي أفضل الأحوال فأنها لن تكون مهتمة لإراقة دمائنا .
https://telegram.me/buratha