======
مدخل
======
للتوظيف في الاستخبارات قواعد دقيقة وضوابط وآليات , وإذا تم احكامها بشكل صحيح كان البناء والاستثمار بعنصر الاستخبارات ربحاً للعمل الاستخباري , وبعكسها يتسرب الخمول والتسيب لأخطر اجهزة الدولة , ويعتبر التوظيف الدقيق من الوسائل المهمة لبناء اجهزة قوية وفاعلة ومحترفة و كفوءة, وتوضع لجان مختصة من الجهاز الاستخباري لوضع الشروط اللازمة بحسب أهداف واستراتيجية الجهاز ومشاريع عمله .
والبلد الذي يريد ان يبني جهازاً قوياً لابد ان تمر مرحلة التوظيف فيه بعدة مراحل للتقييم والتدقيق بعيدا عن الرغبات والمحاصصة والحزبية والمذهبية والقومية واية مؤثرات أخرى , وتوضع شروط وتعليمات لا يتم استثناء اي منها اطلاقاً ويعتبر الخروج عنها محرماً ولا تعطى صلاحية لأي شخص لاختراقها فلم نسمع يوما بوجود ابن أو أخ أو قريب لرئيس أو ملك أو رئيس وزراء في الدول المتقدمة يعمل في الجهاز الاستخباري ((قبل سنوات قُدِّمَ طلب إلى أحد وزراء الداخلية السابقين يطلب فيه المتقدم اعفائه من ثلاثة شروط (وكانت كل الشروط الموضوعة ثلاثة وهي العمر والمعدل والطول) وفعلا حصل على استثناء من الشروط الثلاثة , اي ان الوزير أهان وزارته)).
ان التوظيف يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار انه ينتج أشخاص سوف يعملون في الاستخبارات لسنوات من 25 إلى 30 عام.
=====================
مأساة التوظيف الاستخباري عندنا
=====================
ان نظرة بسيطة وسريعة لطريقة التوظيف والتعيين لدى اجهزتنا الاستخبارية تكفي لنعرف حجم الكارثة , حيث تبدأ الكارثة بتفضيل تعيين الأبناء ثم الأشقاء , فالإصهار والأقرباء , ثم عناصر الحزب فأبناء العشيرة , ثم أبناء المنطقة و الاصدقاء .
وعلينا التنبيه من ان ما نقوله ينطبق اول ما ينطبق على المناصب الرفيعة كالوزير والوكيل والمدير العام والسفير والمحافظ والقائد العسكري , وهؤلاء بدورهم (ويضاف لهم رجال دين وزعماء عشائر وزعماء احزاب ) سيسهمون في فتح ابواب الوساطات لتعيين اقاربهم ومعارفهم ودافعي رشاواهم , لتصبح للفساد الاداري قابلية الدفع الذاتي لتهديم المؤسسة , وليأتي بعد ذلك التعيين مقابل رشوات مالية ليتمم الصورة الكالحة لحال مؤسساتنا الاستخبارية .
ان ما حدث في العراق هو كارثة بكل المعاني فكان التوظيف لغرض التعيين فقط , فأصبحت اجهزتنا الاستخبارية تضم أكثر من 75000 موظف ( وهو رقم يفوق عدد ارهابيي داعش ) وأصيبت بالترهل والازدحام الوظيفي وأصبحت هنالك مشكلة في مكان استيعاب هؤلاء وعدم وجود عمل لهم وذهبت الاموال للرواتب والمخصصات.
وإذا علمنا أن تعداد موظفي الموساد 2000 موظف , وال سي آي أي 14000موظف , و الM6 البريطانية 8000 , سنعرف حجم الكارثة لدينا, ووفق المعايير العالمية فان نسبة المخبرين والمتعاونين لا تقل عن ثلاثة اضعاف اعضاء الاجهزة الاستخبارية , مما يتطلب ان يكون لدى اجهزتنا الخمس ما لا يقل عن ربع مليون متعاون , ونستطيع ان نؤكد ان اجهزتنا لاتمتلك واحد بالالف من هذا الرقم .
لقد ادى فشل الاستخبارات الى ان يتضخم الجهاز الأمني والعسكري وتنتشر المظاهر المسلحة , فعندما تفشل الاستخبارات تضطر الاجهزة الامنية لحماية كل شيء ولا نستطيع في الواقع أن نحمي شيئاً, فأصبحت المدرسة والمسجد والجسر والشارع والبيوت والأسواق بحاجة الى حماية على مدار الساعة .
==============
التوظيف الاستخباري
==============
تختلف الاستخبارات عن الجيوش والاجهزة الامنية في اسلوب وطريقة التوظيف تماما , حيث تسعى الاجهزة الامنية أن توظف الأشخاص بعيدا عن بؤر التوتر والتهديد , فبينما لا يوظف الجيش والاجهزة الامنية أحدا من منطقه متمردة على الحكومة أو فيها توتر أمني , فان الاستخبارات تعمل بعكس ذلك تماماً , فإذا كان اقليم من الدولة فيه توترات فترى ان استخبارات الداخلية والاستخبارات الجنائية تسعيان للتوظيف من ذلك الاقليم او المحافظة .
وهذا الامر معمول به في كل دول العالم , فنلاحظ أن المخابرات المحترفة عالميا يكثر فيها من هو من الشرق الأوسط ومن هو من أصل أفغاني أو عربي أو صيني , وفي فترة الحرب الباردة كانت المخابرات الامريكية تفضل من يتكلم الروسية أو من اصول روسيا وينحدر من مناطق وجمهوريات الاتحاد السوفيتي من حاملي الجنسية الامريكية , وكانت ولازالت الموساد توظف الكثير من العرب الفلسطينيين من عرب 1948 او من ذوي الاصول اللبنانية .
كما تشترط الجيوش والاجهزة الامنية أن يكون المتقدم مثلا من ابوين عراقيين ولكن الاستخبارات تفضل أن يكون أحد الأبوين أجنبي من أماكن ومساحات عملها(لكنها لا توظف مزدوجي الجنسية بالتأكيد).
ويختلف التوظيف عن التجنيد , فالتجنيد للمصادر والمخبرين والمتعاونين مع الاجهزة , ولكن التوظيف هو للعاملين الرسميين في الاجهزة.
=================
التوظيف في زمن الطاغية
=================
اعتمد نظام صدام على الولاء العشائري والمناطقي والطائفي والقومي في ادارة اجهزة الدولة ومنها الاجهزة الاستخبارية , وبالطبع كان يختلف التوظيف بين صنوف الاستخبارات الدفاعية والوقائية والهجومية.
فالمخابرات احتكرت المواقع الرئيسية للمقربين من العائلة الحاكمة ’ وكان الصف الثاني من نصيب أبناء المنطقة الغربية ماعدا بعض الإستثناءآت لضرورات قصوى , وحتى الأذرع الداخلية والمحطات كانت أيضا وفق معايير ولاء عشائرية وعائلية دقيقة .
وكانت الاستخبارات العسكرية بنفس الحال فالمواقع الأولى للمقربين من العائلة (اهل واقرباء وانساب) والخط الثاني من المنطقة الغربية , اما الأذرع في الفرق والالوية العسكرية فكانت من الخليط العام
اما مديرية الأمن العامة ’ فانها كانت بمثابة استخبارات داخلية جنائية , وكانت المواقع الرئيسية فيها للمقربين , كما كانت المواقع الاولى في المحافظات الجنوبية حكراً على ابناء المنطقة الغربية , فيما كانت الأذرع من اهالي المحافظة من الحزبيين .
وقد عالج حكم البعث مسألة الاذرع التي تمده بالمعلومات وأسلوب التوظيف غير المهني في أجهزته الاستخبارية من خلال تنظيم الحزب.
فكان الحزب بمثابة جهاز استخباري محلي بإمتياز , لذا عمد الى تضخيم حجم التنظيمات بالمناطق الرافضة له ,كانت للبعث سبعة فروع في البصرة المعادية له وفرعين في صلاح الدين مسقط رأسه , ونفس الحال في بغداد حيث كانت فروع الرصافة ضعف فروع الكرخ , حيث كان النظام يرى الخطر من مناطق في الرصافة .
================
السير على ذات الاخطاء
================
وللأسف وقعنا بنفس الخطأ الذي كان يعمل به النظام السابق , فأصبحت الاجهزة الاستخبارية تعمل بنفس العقلية , فمثلاً فرع المخابرات في الموصل أغلبه من أهالي تلعفر الشيعة والاستخبارات العسكرية في الموصل يقودها شيعة وتركنا فقط الاستخبارات الجنائية لا لغرض التخصص بل لعدم وجود ضباط شيعة من أهل الموصل وهكذا فشلت الاستخبارات في ان يكون لها امتداد اجتماعي مناطقي يديم عملها .
ولعدم تعاون المواطن مع تلك الاجهزة فان تلك الاجهزة ستبحث عن مصادر ومخبرين , فتقوم التنظيمات الارهابية (كداعش وبقايا البعث) بزج عناصرها لتتلاعب بالأجهزة الاستخبارية وضباطها الغرباء عن المدينة فتبدأ عملية الاختراق العكسي من خلال امداد اجهزتنا بمعلومات مغلوطة.
وعندما تسقط الموصل يهرب ابن تلعفر الشيعي وضابط الاستخبارات الشيعي وتبقى الدولة بلا معلومات لأن العاملين على المؤسسات الاستخبارية ليس لديهم امتداد اجتماعي.
وقد تغير الوضع الان فبرغم وجود داعش وإجرامها وقتلها, وبرغم الدعاية والإعلام المأجور وتداخل السياسة بالعمالة وضعف الحكومة المركزية وتعدد أوجه الظلم والفساد واستهتار قادة الأجهزة الاستخبارية الذين كانوا يعتبرون المنصب منجم ذهب ويدفعون المال الطائل ليحصلوا عليه , برغم كل تلك المؤشرات , ولكن لدينا الكثير من الشرفاء الذين يزودون الاجهزة الاستخبارية بالمعلومات تطوعاً , ولدينا الكثير منهم تطوع في صفوف الحشد الشعبي أو شكّل قوة محلية ضد داعش ويكفي عدد النزوح الهائل من الموصل وباقي المناطق كمؤشر على رفض الاهالي لداعش , مما يتطلب منا نبذ الشروط والضوابط القديمة والبالية في التوظيف الاستخباري .
ان على الاجهزة الاستخبارية وادارة المجتمع الاستخباري والقائد العام احداث ثورة ادارية علمية وعملية في مجال التوظيف الاستخباري وان توضع الضوابط ويتم تطهير الاجهزة من كل من لا تنطبق عليهم الضوابط التي ستعتمد في التعيينات الجديدة فيكون عمادا الثورة الادارية المطلوبة هما تطهير الاجهزة ووضع الضوابط والشروط الصارمة للبدائل .
=====================
مراحل التوظيف في الاستخبارات
=====================
ان عملية التوظيف هي المقدمة الصحيحة لعملية التدريب , فالتوظيف الصحيح والعلمي يسهل ويجعل التدريب مفيداً ومراحل التوظيف هي :
1. التوظيف الداخلي :وهي عملية إعادة هيكلة وتنقلات داخلية بين الاقسام وفق تقييمات ومؤشرات وسير العمل ولتصحيح اخطاء سابقة اوتفجير مواهب لم يتم التنبه لها سابقاً .
2. التوظيف الانتقالي : وتعتمد الاستخبارات المحترفة هذا الأسلوب كثيرا فتبحث عن عناصر موهوبة ومميزة في مؤسسات الجيش والشرطة والأمن وتقوم بنقلهم إلى الإستخبارات .
3. التوظيف الانتقائي: وهو تكليف بعض الأساتذة في الجامعات المختلفة للبحث عن طاقات طلابية مميزة وأخبارهم ببعض المواصفات المطلوبة ويقوم الاستاذ بالبحث وعند التشخيص يخبر الجهاز ويبدأ الجهاز بالمراقبة والتدقيق ومن ثم المفاتحة والتوظيف.
4 . التوظيف العشوائي :يتم عبر الإعلان من خلال وسائل الإعلام , هذا النوع يعتمد للوظائف الثانوية في الاجهزة ومنها الخدمات والحراسة والأمور اللوجستية.
===========
الخطوات العشر
===========
عند الحاجة للتوظيف الاستخباري , يتم تشكيل لجنة من الخبراء ومن الإدارة العامة لجهاز الاستخبارات , وتقوم هذه اللجنة بدراسة عشرة خطوات هي :
1. تحليل المهام والوظائف المطلوبة.
2. الوصف الوظيفي المطلوب .
3. السوابق والمشاكل .
4. توثيق المتطلبات.
5. إعداد جدول الشروط والمواصفات المطلوبة .
6. اختيار الاسلوب الوظيفي . داخلي . انتقالي . انتقائي. عشوائي
7. تنفيذ الاستقطاب .
8. الفحص والتدقيق والاختبار .
9. التأهيل .
10 . التوظيف.
===========
شروط التوظيف
===========
ولعل أبرز شروط التوظيف بشكل عام هي :
1. السيرة الذاتية : ويتم التركيز والتدقيق في صحتها .
2. التصريح الامني : التوثيق والسلامة الامنية للشخص وعائلته من الدرجة الأولى.
3. التخصص والمهارات :لا تركز الاجهزة المحترفة على المعدل الدراسي بقدر التركيز على المهارات والاختبارات.
4. الفحص الطبي: للتأكد من عدم الادمان على المخدرات والأمراض والسلامة البدنية والعقلية.
5. السلوك الشخصي : من خلال المراقبة.
6. الاختبارات :وهي متنوعة.
========
خلاصة
========
ان السياسة الخاطئة في التوظيف التي اشترك وساعد فيها جميع المسؤولين والقادة قد أضاعت ودمرت الجهد الاستخباري وأضعفت قدراتنا الامنية والعسكرية وشاركت في انهار الدماء والضحايا بشكل مباشر أو غير مباشر , ولابد من ان يتم تصحيح بناء الاجهزة الاستخبارية وإعادة هيكلتها ووضع البرامج العلمية وفق معايير عالمية وتنظيم عملية التوظيف بكل أشكالها وترشيق وترشيد المؤسسة الاستخبارية وإصلاح قوانينها ووضع القادة المناسبين لها , وهذه هي مسؤولية القائد العام وادارة المجتمع الاستخباري و قادة الأجهزة الاستخبارية من الصف الأول ولجنة الأمن والدفاع في البرلمان , وبدون هذا سوف يستمر نزيف الدم , والله الموفق.
https://telegram.me/buratha