من حق كل مواطن عراقي أن يعيش في وطنه آمنا وتحت سقف بيت يؤويه ويؤوي عائلته. وأن توفر له الدولة الخدمات الأساسية اليومية كالماء والكهرباء والخدمات الصحية وغيرها وأن تُنجز معاملته في دوائر الدولة دون أي ابتزاز، وأن تشعره حكومته بأن المواطنة هي أساس الحكم بعيداعن النعرات القومية والمذهبية والمحسوبية وتسلط الأحزاب.
ويذهب أولاده إلى المدرسة وهم يسيرون في شارع نظيف دون أن تتسخ ثيابهم ، وتغرق أرجلهم في الأوحال. وحين يرى المواطن ويلمس إن في وطنه سلطة حاكمة نزيهة قوية يتصف فيها أصحاب القرار بالحكمة والكفاءة والنزاهة والصدق، ويتسابقون مع الزمن في جعل الوطن على سكة النهوض والتقدم ليتعافى من جراحه بعد كل المصائب والنكسات التي مرت عليه ، آنذاك تكون العلاقة بين السلطة والمواطن علاقة إيجابية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل وتساعد هذه الحالة الإيجابية في ازدهار الوطن واستقراره ، وتكون لسيادة القانون فيه فوق كل اعتبار . وأخيرا تصب نتائجها الإيجابية في تقوية الجبهة الداخلية وتماسكها ضد الأعداء الخارجيين والداخليين المتربصين بالوطن.
والذين يتحينون الفرص لإلحاق أفدح الأضرار به، ومن أخطر أسلحتهم الخبيثة هو سلاح الفتنة الطائفية النتن الذي يسوقه إعلامهم لتمزيق الجبهة الداخلية ،وتمرير مخططاتهم الجهنمية من خلاله. لكن إذا مرت الأعوام ، وتوالت الحكومات، وأطلق قادتها الوعود الخاوية ، وأهملوا الجانب الخدمي، وغرقوا في صفقات الفساد ، ولهثوا وراء مصالحهم الأنانية، وأعلنوا الحرب على بعضهم البعض بعيدا عن مصلحة الوطن العليا كما يحدث في العراق منذ ثلاثة عشر عاما حيث يرى الشعب كيف تتراكم المشاكل والمآسي فوق بعضها دون بذل أي جهد لحلها يلوح في الأفق،وإن كل حكومة تستلم الحكم يلعن أفرادها من سبقهم ، ويرمي تبعات التراجع والنكوص عليهم، ويلوم بعضهم بعضا، ويدعون إنهم أبرياء مما لحق بالشعب من ويلات. ويدفن الجميع رؤوسهم في التراب ، ويعزلون أنفسهم عن الشعب ، ويعلنون براءتهم من كل خطأ كما خاطبهم الشاعر في قوله :
لايلم بعضكم على الخطب بعضا
أيها القوم كلكم أبرياءُ
وهذه هي الحالة العراقية اليوم والتي تحولت إلى دوامة لانهاية لها من الصراعات والإتهامات المتبادلة على طول الخط دون الإلتفات إلى معاناة الشعب وإلى الأخطار المحدقة بالعراق. فاشتدت على أثرها النقمة الشعبية على الحكومة بعد صبر طويل، ومما زاد في الطين بلة محاولات بعض السياسيين المشتركين في الحكومة فسح المجال للتدخلات الخارجية السلبية السافرة في شؤون الوطن الداخلية ، واستغلال الإرهابيين القتلة هذا التداعي والضعف المستمرين في جسم الدولة فأوغلوا في سفك المزيد من دماء الأبرياء في كل مكان يستطيعون الوصول إليه . وأزهق الإرهاب أرواح عوائل بكاملها على أرض العراق الدامية. وكل يوم يمر تشتد بشاعة جرائمهم في دمويتها وفضاعتها، وتزداد معها أعداد الأيتام والأرامل والنازحين. ويترسخ اليقين في نفس المواطن عجز حكامه في مواجهة هذا الإرهاب الأعمى، وحماية الطبقات المسحوقة من شروره ، فتتراكم معها النقمة الشعبية ، وربما سيصل هذا الغضب الشعبي المتصاعد إلى حد الإنفجار الذي لايتمناه كل عراقي شريف حريص على سلامة وطنه. لأن حقوق المواطن المشروعة في الحرية والكرامة والإستقرار الأمني لايمكن تجاهلها أو القفز عليها وإيجاد المبررات الواهية لهدرها إلى مالانهايه والشعب الذي هو المتضرر الأول يظل مكتوف الأيدي ويبفى متفرجا على هذا الإنهيار المريع وهو مهدد بالقتل من عصابات وحشية غادرة في كل لحظة.
فالوطن يتقدم وترسو سفينته على شاطئ الأمن والازدهار بحكمة السياسيين الحكماء الذين يديرون شؤون الدولة بكفاءة وإخلاص ، ويتراجع بأفعال الحكام الفاشلين والنفعيين والإنتهازيين الذين يكرسون جل همهم لتكديس الأموال وتهريبها خارج الوطن وفي الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة ورثوا الحكمة والعقل والدين من آبائهم وعشائرهم وهم لم يتقدموا خطوة واحدة للنهوض بالوطن من محنه الكثيرة. والحكم مسؤولية وطنية وأخلاقية. ويخطئ من يظن إن الحكمة والسياسة منفصلتان عن بعضهما، وكلما كانت السياسة بعيدة عن الحكمة ،وتطبخ في غرف وكواليس مظلمة، تدور في حلقة مفرغة ، وتقتل الزمن في التنظير السفسطائي وجراح الوطن تنزف وقد انكشف زيفها وضررها على كاهل الشعب والوطن حيث الأحزاب والكتل السياسية التي برعت في هدر الوقت ولا تجيد إلا المهاترات وتسقيط بعضها ، وهي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن ممارسة الديمقراطية الحقة التي تدار بقوة الشعب وتحت الشمس.
https://telegram.me/buratha