كان احمد يحب أن يفعل ما يريده أبوه منه حتى وان كان ذلك متعب اله؛ لذلك كان يتخفى عندما يريد أن يخالف الأب خجلا من العتاب .
وخلال سنواته السابقة كان الأب حريصا على تعليمه كلما يحتاجه في وظيفته الشرعية؛ ولهذا حرص على تعليمه قبل الأوان، لكن احمد راغبا في أن يسال عن مخالفاته التي لم يعرف بها أحد.
وفي لحظة من اللحظات شعر بأهمية البوح بهذه الأمور ولوعن طريق غير مباشر، فاخذ يمهد لأبيه حتى يخبره بالحقيقة.
فقال لأبيه: إنني منذ مدة كنت ارغب أن اعرف حكم بعض المخالفات التي يقع فيها الإنسان أحيانا في صغره.
فانتبه الأب لكلام ابنه وهو يشعر بالقلق من أن يكون قد وقع منه مخالفات في أعماله وهو لايعلم بذلك، ومع شعوره بالقلق لكنه طالب الابن بإكمال حديثه.
رغب الابن أن يبتعد قليلا في الكلام؛ حتى يمهد بطريقة مقبولة لقبول كلامه من قبل الأب فقال:إنني منذ الصغر تعلمت منك يا أبي إن الله تعالى لايحاسب الإنسان الذي يقوده جهله إلى الخطأ لأنه غيرمتعمد ومعذورأليس كذلك؟
فرد الأب :نعم هذا كلام سليم لكن يوجد تفصيل في جهل الإنسان فليس كل جهل يعذر فيه الإنسان، كما أن الجهل ليس مانعا من تحمل مسؤولية العمل من ناحية الأثر في الخارج، وما ذكرته يتعلق بجانب التكليف.
فعاد الابن قائلاً : إنني اقصدهذا الكلام بالضبط وليس شيئاً آخر، لكن ماذا تعني بالمسؤولية في الخارج؟
قال الأب: إن عمل الإنسان الذي يتجاوز فيه الحد له جانب تكليفي وجانب وضعي، والجهل قد يكون عذرا للجانب الأول لكنه ليس عذرا للجانب الثاني.
عاد احمد مرة أخرىليسأل عن موقفه من تلك الحالات التي مر بها دون ان يشعر والده انه قد وقع في ذلك فعلا فقال: وهل يكون الانسان مسؤولا وهو جاهل في عمله ؟
فرد الاب: ان المسؤولية ليس لها معنى واحد وإنماتفسر بتفسيرين الأول ينفيه الجهل، وأما الثاني فلا ينفيه الجهل؛لأنهأثر خارجي، ولابد من وجود جهة مسؤولة عنه؛ ولهذا لا يعذر الانسان حتى وان كان صغيرا وهيالأعمال المتعلقة بالتجاوز على اموال الاخرين.
فقال أحمد: هذا يعني ان الانسان الذي يرتكب الخطأ مثلا في بعض الاحيان لا يكون معذورا عن تدارك الخلل الذي أحدثه، وان كان معذورا عن تحمل مسؤولية ذنب هذا العمل الأخرويولا يمكن قياس احد الامرين على الاخر.
قال الأب:كأنك تريد ان تعترف بقضية قمت بها في وقت سابق، فلماذا تذهب بعيدا عن وجهتك، أفصح عما يدور في ذهنك فالأمر لن يتغير سواء ذكرته اولا ام ذكرته اخرا.
قال احمد: كنت أريدأن اعرف حكم أعمالي قبل أنأبين لك ما صدر مني، فقد كنت احتال أحيانا على نفسي من خلال شرب قليل من الماء عندما كنت اشعر بالعطش، وكنت أتناول الماء يوميا طوال فترة صيام رمضان.
في هذه اللحظة وضع الأب يده على وجهه خجلا مما سمعه من ابنه، واخذ يقلب تفكيره يمينا وشمالا ويحاول ان يجد طريقا يستطيع من خلاله إنقاذ ولده من هذه الورطة، وبعد فترة من الصمت عاد متسائلا عن تاريخ حصول هذه المخالفات.
فقال الابن: إنني كنت افعل ذلك في السنوات الأولى التي كنت فيها اشعر بعدم قدرتي على المقاومة للعطش؛لأني كنت في العاشرة من عمري، وبقيت على هذا الوضع لمدة ثلاثة سنوات، وعندما بلغت الرابعة عشر تركت ذلك فقد اشتد عودي واصبحت متعودا على الصيام.
فقال الأب: الحمد لله أن ما وقع منك كان في فترة سابقة على تكليفك الشرعي، وقد كنت خائفا من أن تكون قد مارست هذا العمل وأنت مكلف؛لأنك في هذه الحالة ستتعرض لعواقب وخيمة، ولعل الله سبحانه أراد لك الخير؛لأنكبدأت الصيام في وقت مبكر، فلو انك بدأت الصيام في وقت قريب من عمر التكليف ربما كنت الآن مطالبا بالصيام، وبالكفارة أيضا، ونحمد الله أن الصيام كان في الصغر.
https://telegram.me/buratha