ألقى الشيخ حمد بن جاسم، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الأسبق، في حديث نشرته الفايننشال تايمز اللندنية بتاريخ ١٥ إبريل ٢٠١٥م، قنبلة سياسية فراغية من العيار الثقيل، وذلك بتحميل السعودية المسئولية حول تعقد الأزمة في سوريا منذ العام ٢٠١٢م، حيث صرح الشيخ حمد بن جاسم بأن ما حدث في سوريا ليس بثورة بل “لعبة دولية”، أعطت فيه الولايات المتحدة الضوء الأخضر لقطر والسعودية للتدخل في سوريا، لكن الوضع تعقد بسبب التنافس بين الدولتين على من يتولى القيادة.
تصريح الشيخ حمد خطير للغاية ولا يجب أن يمر مرور الكرام، كما أن توقيت التصريح ومضمونه يستدعي الكثير من التساؤلات لأنه يهدم كامل أركان القصة التي تسوّقها دول الخليج حول: سوريا؛ ورحيل الرئيس؛ والتعاطف مع الشعب السوري؛ والإستقرار الإقليمي؛ والتدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ والمفاوضات في جنيڤ؛ وما يسمى الهيئة العليا للتفاوض، والأهم من ذلك كله، دور إيران في المنطقة. ولذا فإن المطلوب أولاً وقبل كل شيء، توضيح عاجل من السعودية، وقطر، والخارجية الأمريكية، حول تصريح الشيخ حمد بن جاسم.عندما سئلت رولا خلف، من الفاينانشال تايمز، الشيخ حمد بن جاسم، إن كان يقبل تحمّل بعض المسؤولية فيما يتعلق بالكارثة في سوريا، أتى جوابه: ” سأقول لكِ أمراً لم أخبره لأحد من قبل، عندما بدأنا في التدخل بالشأن السوري (في عام 2012) كنّا على يقين بأن قطر ستقود التدخل لأنّ السعودية لم ترغب بقيادته في ذلك الوقت. بعد ذلك تم تغيير السياسة ولم تُعلمنا السعودية أنّها تريد أن نكون خلفها، فانتهى بنا الأمر بالتنافس، وهذا غير صحي”، (إنتهى الإقتباس) هذا إعتراف صريح وخطير ويطرح السؤال الإبتدائي: لماذا هذا التصريح حول السعودية في هذا التوقيت؟
وإذا كان الشيخ حمد يعتبر أن مايجرى في سوريا “لعبة دولية” بضوء أخضر من الولايات المتحدة، فلماذا لا يكون هذا التصريح في هذا التوقيت ضمن “اللعبة الدولية” أو لعبة في إطار أوسع؟ فقد تم نشر حديث الشيخ حمد بن جاسم في الفايننشال تايمز في ١٥ إبريل، وهو الأسبوع الذي إنطلقت فيه الحملة الأمريكية ضد السعودية حول قانون يسمح بمقاضاة السعودية لتبعات ١١ سبتمبر، ثم جاء حديث العقيد بيترز في قناة الفوكس نيوز ١٧ إبريل ، ومقال ديڤيد قراهام، في الإتلانتك ١٨ إبريل، ومقال بين هوبارد ونيكولاس كوليش في نيويورك تايمز ١٨، إبريل، التي تتهم جميعها السعودية، ثم تتالت القنوات الفضائية متزامنة مع زيارة الرئيس الأمريكي في ٢٠ إبريل ٢٠١٦م.تصريح الشيخ القطري بأن ما جرى في سوريا “لعبة دولية” لم يكن مفاجئاً، لأن كل مجريات الأحداث منذ البداية في سوريا توحي بأمر مختلف تماماً، كما قد سبق وأن أدلى رولان دوما، وزير الخارجية الأسبق، في حديث تلفزيوني بأن بريطانيا كانت تعد لإقتحام سوريا قبل سنتين من إنطلاق الربيع العربي.
كما أن التدخل القطري في سوريا لم يكن مفاجئاً أيضاً، لأن كل تحركات قطر في تلك الفترة كانت تشي بمؤامرة ما في ليبيا ومصر واليمن وسوريا، وقد سبق أن أشرنا، في عدة مقالات، بأصابع الإتهام إلى قطر وإلى الشيخ حمد بن جاسم شخصياً، لكن المفاجيء هو التدخل السعودي في مراحل متقدمة جداً من الأزمة في سوريا، وهذا يحتاج إلى نفي أو تأكيد رسمي. لكننا نسأل: ماهي الدوافع التي دعت قطر للقبول بالمهمة في سوريا بعد تفويض من الولايات المتحدة كما ذكرت الصحيفة؟ وإذا تركنا جانباً موضوع ليبيا والتنافس بين قطر والإمارات فيها ودعم فصيلين متحاربين كما صرح بذلك الشيخ حمد، نسأل هنا لماذا؟
ومالذي تستفيده قطر لكي تكون رأس الحربة في “لعبة دوليه” للإطاحة بالرئيس والنظام والدولة في سوريا، وزرع الفوضى والإحتراب في دول عربية أخرى؟ وهل ما تقوم به قطر ضد مصر يقع ضمن المخطط؟ وهل تقبل قطر أن تستغل وتسلح دولة أجنبية مظاهرة شعبية أو عمالية في قطر؟إتهام الشيخ حمد بن جاسم للسعودية بالتدخل في دعم من تظاهروا ضد الدولة في سوريا بالسلاح في ذلك الوقت المتقدم (٢٠١٢م)، يقوّض القصة، وينقض الحبكة، ويدحض الحجج، التي تجادل بها السعودية ودول الخليج حول:
(١) أن ما حدث في سوريا ثورة شعبية؛
(٢) أن الرئيس السوري بشار الأسد يقتل شعبه ويشردهم؛
(٣) التعاطف والتباكي على الشعب والصداقة مع الشعب السوري؛
(٤) أن إيران تتدخل في سوريا وسبب رئيسي في عدم الإستقرار في المنطقة؛
(٥) حقيقة المعارضة السورية و “قائمة الرياض” و “الهيئة العليا للتفاوض”؛
(٦) وتمثيلية الحل السياسي ومفاوضات جنيڤ. كل تلك القصص والحبكات والحجج، تتقوض وتُنقض وتُدحض بحديث الشيخ حمد بن جاسم، فما بني على باطل فهو باطل.يجب أن يؤخذ حديث الشيخ حمد بن جاسم على محمل الجد لمعرفة عدد من القضايا، وأهمها دور قطر إبان ما سمي “الربيع العربي”. كما يستوجب أن تقوم الجهات المعنية في السعودية بشكل خاص، ودولة قطر، والولايات المتحدة، بإصدار بيان رسمي يوضح بالتفصيل الحقائق، لأن عواقب هذا الإتهام خطيرة على المستوى الإستراتيجي والسياسي والدبلوماسي والقانوني.
الأكيد، أن هناك الكثير من التسريبات ستتوالى مستقبلاً في هذا الشأن وسيقوم عدد من المراكز بتجميع خيوط المؤامرة أو “اللعبة الدولية” وكشفها بشكل يحرج كثير من الدول والحكومات. الدخول في مؤامرة دولية للإطاحة بنظام سياسي في دولة مستقلة ذات سيادة ليس بالأمر الهيّن أو العابر، ناهيك عن الخراب والدمار الذي نتج عن تلك “اللعبة الدولية” في الخمس سنوات الماضية. كما أن معرفة كامل المخطط و / أو اللعبة الدولية التي يتحدث عنها الشيخ حمد بن جاسم، أمر مطلوب وضروري. ويبقى سؤال حائر: هل التصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول الجولان هي من أهداف “اللعبة الدولية” ضد سوريا؟يمكن للحكومة السورية بهذا الإتهام الخطير أن ترفع دعوى قضائية قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار لإعادة الإعمار فقط، فضلاً عن الدعاوى لإعادة تجهيز الجيش السوري، وإعادة تأهيل الجنود والضباط، بالإضافة إلى الدعاوى المدنية من الأفراد وعائلات الضحايا التي قد تتجاوز أكثر من تريليون دولار عن ما لحق بالشعب السوري من خوف وقلق وتهجير.
فإذا كانت المحاكم الأمريكية حكمت على إيران بدفع (٢٠٠٠) مليون دولار في الأسبوع المنصرم كتعويض للضحايا عن أحداث تفجير لها صلة بالحكومة الإيرانية. وإذا كانت الولايات المتحدة تناقش في الكونغرس الأمريكي قانون يسمح بمقاضاة السعودية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فإن لعبة دولية بقيادة الولايات المتحدة، تشارك فيها قطر والسعودية حسب تصريح الشيخ حمد لتدمير دولة بأكملها أدعى للمحاكمة والتعويض.تعرضت دول الخليج لكثير من الإبتزاز من الغرب ومن الولايات المتحدة تحديداً. فدول الخليج متكتمة على كثير من أفاعيل وأحابيل الإستخبارات الأمريكية والغربية، لكن الحكومات الغربية تتقن اللعبة بتسريب بعض من مساويء دول الخليج للصحافة التي باتت جزء من اللعبة السياسية، وأضحى الإعلام الغربي يتبادل المنافع مع الحكومات وأجهزة الإستخبارات.
وما أن يتم نشر فضيحة في الإعلام الغربي، حتى ترتعد فرائص دول الخليج خوفاً من هز صورتها وإنتقاص مصداقيتها أمام العالم وخاصة شعوبها المكذوب عليهم والتي تسوّق لهم حكوماتهم قصص وتحبك لهم الحكايات. فمن المذكرات للمسئولين السابقين، للوثائقيات، للتسريبات، لويكيليكس، لأوراق بنما، باتت الشعوب تبحث عن مصادرها. فلو عرفت حكومات الغرب أن الحكام العرب، والخليج خصوصاً، لديهم الشجاعة لكشف بعض من ألاعيب السياسة الغربية، والقدرة على رفع دعاوى في المحاكم المحلية والدولية، لكانت الحكومات الخليجية في موضع الإحترام، لكن، من يهن يسهل الهوان عليه.أدلى الشيخ حمد بن جاسم بحديثه الخطير في صحيفة من أكبر وأشهر الصحف العالمية، ولكن التعتيم كان سيد الموقف، ولم يلقى الإهتمام المماثل للمقالات ذات الصبغة المؤامراتية.
حتى قناة الجزيرة التي سوّقت نفسها على متابعة الحقيقة وكشف المؤامرات في دهاليز السياسة، لاذت بالصمت. هل ذلك بسبب إدانة الولايات المتحدة التي يقول الشيخ حمد أنها أعطت الضوء الأخضر لقطر والسعودية للتدخل في سوريا؟ وهل تستطيع أمريكا أو قطر أو السعودية بعد حديث الشيخ حمد بن جاسم أن تشارك في أي محادثات أو جهود تخص سوريا؟ وهل تستطيع أمريكا أو أي من حلفاءها في أوروبا أو الشرق الأوسط المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد بعد كشف أحد اللاعبين الرئيسيين “اللعبة الدولية”؟ وهل يفسر حديث الشيخ حمد بن جاسم الهوة بين سقف المطالبات في الأزمة السورية وحجم ونوعية النتائج؟ وهل الإصرار على رحيل الرئيس بشار الأسد حياً أو ميتاً، أو إنتقاء المعارضة بعناية، يصب في مصلحة المخططين والمنفذين للمؤامرة واللعبة الدولية للحيلولة دون أي مطالبات أو تعويضات أو محاكمات قد تحدث مستقبلاً؟ فمع التخلص من الرئيس السوري، عندها يمكن أن تسجل القضية ضد مجهول، كما حصل في كذبة العراق، وإحتلال العراق، ومسرحية محاكمة ثم شنق رئيس العراق.
أخيراً، حديث نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الأسبق الشيخ حمد بن جاسم هو قنبلة فراغية ألقاها في حضن السعودية، وعلى المسئولين في السعودية كشف الحقائق، حتى لو أزعج ذلك الولايات المتحدة، فقد إقتنعت دول الخليج، أو هكذا نظن، أن أمريكا لن تتوانى في إزعاجهم وزلزلتهم وإستهدافهم في لعبة دولية أخرى أكثر إحكاماً، فأن تفعل الشيء متأخراً أفضل من أن لا تعمله على الإطلاق. ختاماً، ما تحدث به الشيخ حمد بن جاسم لصحيفة الفاينانشال تايمز أما أن يكون كذبة؛ أو الخطة B من لعبة دولية أخرى تكون فيها السعودية هي المستهدفة؛ أو يكون ماقاله الشيخ حمد بن جاسم حقيقة ولعبة إستخباراتية دولية، وهنا يجب التصريح والتوضيح.كاتب، ومحلل إستراتيجي
https://telegram.me/buratha