تعاني أنقرة في هذه الآونة من عدم استقرار امني وسياسي داخلي بعد الانتخابات الأخيرة وما أفرزته من قوى سياسية في البرلمان لأول مرّة في تاريخه بنسبة أعلى من المرّات السابقة لصالح المعارضة و تنامي وتيرة المواجهات العسكرية بين الأمن التركي والاحزاب الكوردية المعارضة المتهمة بالمسؤولية عن التفجيرات في العديد من المدن لغرض رفع حالات المواجهة معهم وخلق الاسباب الموجبة للتسقيط واعادة التموضع في جبهة اعزاز تمهيداً لعزل المنطقة . مما يوحي الى انها ساهمت في تخبّط سياساتها الداخلية والخارجية خصوصا بعد تأكّد انقرة من صعوبة الحديث عن حلّ سياسي للازمة السورية وتصاعد القتال مع الاكراد المسلحين ( bkk (. وفي الشمال السوري صراعٌ مسلّحٌ للسيطرة على جغرافيات محلية مُختلفة فيه، وذلك بين قوات حماية الشعب الكُردية YPG وتنظيم داعش مرّاتٍ كثيرة، وبين الأولى وبعض التنظيمات الارهابية الأخرى في مراتٍ غيرها، وفي أحيانٍ كثيرة بينها وبين بعض القوى المُسلحة المعارضة أيضاً.
وأدّت «غلبة القوات الكُردية» إلى فِرض واقع سياسي ذي صبغة سياسية قومية كُردية وهي ما تخوف الاتراك من مستقبل المنطقة ، ومن المعلوم ان الحرب الأهلية السورية أفضت إلى تبعات سلبية كبيرة على صعيد العلاقات الاقتصادية التركية مع سوريا والعراق التي كانت مزدهرة فيما قبل. أضف إلى ذلك ما تعانيه حركة السياحة الأوروبية في الأسواق التركية من ركود في الوقت الراهن.
الاوضاع الامنية في تركيا تزداد سوءاً يوما بعد يوم وتتفاقم الانفجارات التي اصبحت يومية . القيادة التركية بدأ ينتابها القلق الشديد حيال ما وصلت الية الأزمة السورية في غير ما كانت تتوقعه كما ان ما زاد الطين بلة إسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية داخل الاجواء السورية، والذي يبدو ظاهريا أمرا مفاجئا، خلط أوراق الصراع في سورية وعليها وقلبت موازين القوى ،...فهي توقعت رحيلاً وشيكاً لنظامها السياسي القائم، لكن النظام لم يرحل بعد، ولا يبدو أنه سيرحل قريباً وفقاً لآخر المؤشرات، في المقابل، ما فتئت تركيا، وبالذات محافظاتها الجنوبية، تستقبل اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، وإلى جانبهم عناصر من المنظمات الارهابية الهاربة من اتون الحرب بعد الزحف الموفق للقوات السورية في مناطق القتال ، ومن عمليات القوات الكوردية التي اخذت بالتزايد يوما بعد يوم ،والواضح ان خرائط التحالفات والاصطفافات في المنطقة برمتها سوف تتغير بالضد لما الت اليه الاوضاع والتوقعات والمؤشرات تذهب الى ان تركيا قد تخسر كل شيء في القريب اذا ما اصرت واستمرت في مسيرها الحالي. ويشكل خطرًا محتملًا على الاستقرار والازدهار في هذا البلد .
من حهة اخرى تركية تخشى تماماً من أن حزب العمال الكردستاني بعد ان استعاد علاقاته مع موسكو، التي قد تبادر في تزود القوات الكردية بالأسلحة، وإن الدعم الروسي سيساعد الأكراد على تحقيق مطالبهم وهذا ما يقلق الحكومة التركية.
وهم الان في حال تحرك فعلي وفتحت له سورية أبوابها ولن يقفل ملفه ببساطة وكسر عظم لتركيا حيث تفقد دورها الغير المتوازن اصلاً في المنطقة، ولن ينفعها بعدها مفاوضات ولا مباحثات وتصبح العودة للخلف مستحيلة، وبالتالي في داخل تركيا هناك قوى ضاغطة بوجه أردوغان تدرك خطورة المراهنة على ما الت اليه الاوضاع ، وترفض أن تدفع تركيا ثمن المفاوضات الأمريكية مع محور المقاومة، وتدرك المعارضة التركية أن صبر إيران وسورية قد نفذ تماماً، والأهم أن المعارضة التركية تدرك أن روسيا اليوم ليست روسيا الأمس وقد لمست نهاية العام الماضي معنى تحرك القوات الروسية في أرمينيا والبحر الأسود.
الموقف الأمريكي المتردّد والباهت إزاء النظام السوري الحالي وتأثيرات ذلك على وضعها الإقليمي والداخلي أيضا ومن جهة مواقف اكثر الدول في العالمين الدولي و العربي وبعض الدول الخليجية التي تغيّر موقفها من الشدّة إلى اللين حول مصير الأسد، غير أنّ مازاد في إرباك السياسة التركية كان استغلال روسيا لهذا المشهد المتذبذب واختيارها هذا التوقيت الصعب ولكن المناسب لدخول الميدان السوري من أوسع أبوابه ونجاحها في فرض أجندتها هناك. مما جعلها القائد الفعلي للمعادلة السورية والغاء دور التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وممسكة في ذات الوقت بزمام الأمور . وإزاء هذه التطوّرات يرى مراقبون أنّ روسيا قوّضت بذلك الدّور المتردّد الذي تسعى تركيا لفرضه في سوريا .
https://telegram.me/buratha