بلد تغبطه الدنيا، وتربة تحسدها الأرضون، وشعب ليس كملثه شعب- ذاك الذي شغل الدنيا، بعشقه للشهادة، وحبه للحياة- وحضارة تضرب بجذورها إلى أقصى مديات التأريخ، ومستقبل ينبئ بسيادة العالم، وريادة الكون.ذلك هو العراق؛ الذي تنسم عبيره، ووطئ ثراه، وأرتوى من عذب ماءه، وإستظل بظلاله، أل بيت النبوة الأطهار، وأهل الصفوة من انبياء الرحمن( صلواته وسلامه عليهم أجمعين) والصالحين من عباده.
ذلك البلد، الذي لم يحض- يوماً- بحاكم منصف أو حَكَمُ عدل، ولم يتوفر- أبداً- على حكومة بمزايا الحاكمين، ما خلا حكومة العدل ، ومنهج البذل، حكومة لها من العمر أربعةً من السنين، إلا إنها ملأت الدهور دروساً وعبر، وألهمت الحاكمين عدالة وحكمة، وأثرت الخلائق أنسانية وقسطاً، فقد كانت أعدل حكومة على و جه البسيطة، تلك هي حكومة، وحاكمية، أمير المؤمنين قاطبةً، وسيد الموحدين منفرداً، ذاك هو علي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي تشرفت بلاد السواد، بحكومته التي لم تنجب لها الأيام مثيلاً.
لقد كان هذا الحاكم العادل، فاقداً لكثيرمن مزايا الحاكمين، سواءً الذين سبقوه- بعد إستشهاد نبي الأمة- أوالذين لحقوه- حتى يومنا هذا- فقد كان فاقداً لحب الرياسة، وكارهاً لزخرف الدنيا، وكان يفتقر إلى الشجاعة، فيما يتعلق بالسطو على حقوق الآخرين، فقد كان كثير الخوف، لدرجة أنه كان يرتعد كالسعفة في مهب الريح؛ عندما يقف بين يدي ربه.
لقد كان هذا الرجل العادل، فاقداً للبخل؛ فلم يبده، وفاقداً للظلم؛ فلم يفعله، وكارهاً للدنيا؛ فطلقها ثلاثاً، على العكس من جميع القادة، والحكام، والسياسيين- وخصوصاً سياسيوا اللحظة، وسارقوا الفرصة- وبما أنه كان فاقداً لكل ذلك؛ لم يعط شيئاً منه لأحد.
اليوم وقد أبتلي العراق، بحكومة يفتقر رجالها- إن صح إطلاق كلمة رجال على أكثرهم- إلى الشجاعة فلم يبدوها، وإلى الحكمة فلم يلجوها، والى النزاهة وما قاربوها.. حكومة، فقدت الأمان؛ فتحصنت في دمنة خضراء، وأدمنت الفساد؛ فذاع صيت فسادها، ورضيت بالذل؛ حتى هان أمرها، وتطاول عليها، من لم يكن في حسابات السياسة، ولا من أهل الطموح إلى الرياسة.
حكومة جاء بها الشرفاء، بعنوان التغيير، فلجأت إلى الإلتفاف، والتمييع، والتخدير، رغم حصولها على أكبر دعم، وأشرف زخم.
لم يتغير فيها شيء- مطلقاً- فقد أمن فيها السارق، وكوفئ فيها الخائن، وظيق فيها على الشرفاء، وتفشى الفقر، وإنتشر فيها المرض الوباء.
حكومة جاءت على غرار ما تشتهي سفن اللصوص، وشذاذ الآفاق.. نعم، فقد كانت عملية قرصنة، قد أُعد لها بخبث كبير، وإصرار على الفساد خطير، لقد عمل رموزها، على تبديل وجه الأفعى الرقطاء؛ التي نفثت سموم فساده- قصوراً وتقصيراً- في جميع مفاصل الدولة، وفئات المجتمع، ليكون في واجهتها الجديدة، رجل ضعيف، بقدرات متواضعة، وعقلية متخلفة- قياساً للموقع الذي هو فيه، والمنصب الذي يشغله- محاولة منها، للإلتفاف على مطالب الشرفاء في التغيير.
لقد تمكنت أموال السحت، وفلول الجبت، التي جاءت نتيجة لمارستها الفساد لثمان سنين خلت، من الإحتفاظ، بإمتيازاتها كاملة، غير منقوصة، من خلال شراء الذمم، وتثبيط الهمم، والإنتقلاب على عهودهم، ومواثيقهم، كسابق عهدهم.
لقد أضاعوا الأرض، وهتكوا العرض، وسرقوا الأموال، وأفقروا الأجيال؛ لأنهم كانوا قد فقدوا الشجاعة، والحكمة، والشرف، والأمانة، والأمان، والإيثار، والشعور بالمسؤولية.. ولأنهم كانوا فاقدين لكل ذلك، فلم يعطوا شيئاً منه لأحد.
رغماً من كل ذلك، فما زال العراق، فرساً أصيلاً، ينشد فارساً نبيلاً، يمتطي صهوته، كذاك الفارس الذي شهدت له السماء، بأن لاسيف إلا سيفه، ولا فتى إلا إياه.
https://telegram.me/buratha