كم صدعنا ساستنا, بخطبهم الرنانة, وخصوصا أثناء الانتخابات, عن ضرورة دعم الصناعة الوطنية والنهوض بها, وجعلها واحد من اهم موارد الخير للبلد, للتخلص من الخضوع, لسطوة النفط كمورد وحيد.
عندما تولى التيار الصدري وزارة الصناعة, تفاءل بعض المراقبين خيرا, لتوقعهم أن يحاول التيار الصدري, إثبات وجوده, وتحقيق شعاراته التي طالما تغنى بها, ولم يظهر منها على أرض الواقع إلا القليل.. وأنتظر الكثيرون أن يحصل شيء, بعد تبديلهم الوزير, وترشيحهم لشخصية جديدة, وهذه قدمت سلسة من الخطوات الإصلاحية, وكان منها فكرة دمج وزارات الصناعة.
دمج الشركات واتحادها, فكرة اقتصادية ناجحة, على أن تكون محسوبة, لكنها وفي كل دول العالم, تترافق مع تقليص العمالة, وخفض النفقات, وزيادة فعالية الشركة الجديدة, لكن هذا يشترط أن تكون كلا الشركتين السابقتين, هي شركة ناجحة, وإن كانت إحداهما, أضعف من الثانية, فعندها تصبح العلمية استحواذا وامتلاكا.
ما حصل من دمج للشركات, التي كانت أصلا متوقفة, أو تابعة للتصنيع العسكري السابق, كان قرار متوقعا ومنطقيا, كونها شركات كلها متهيكلة, أو لا تملك من مقومات الشركات الحقيقية إلا الاسم, لكن أن يتم دمج شركة عملاقة, كالشركة العامة للسمنت الجنوبية, مع شركتين للسمنت, إحداهما تقع في بغداد, ولا تملك إلا مصنعا واحدا, ويديره مستثمر خارجي, وشركة أخرى, مقرها في مدينة الموصل, وكل معاملها مدمرة وعلى يد الإرهاب.. والأدهى من ذلك, أن يجعل مقر تلك الشركة, في مكان لا علاقة به, بهذه الشركة العملاقة, هو الأعجب والأغرب؟!
لمن لا يعرف عن السمنت الجنوبية شيئا, فهي شركة أسست منذ عام 1995, وتملك ثمانية معامل, منها 7 لإنتاج السمنت, وتغطي ما يقرب من 85% من حاجة العراق من السمنت, فيما الشركات الأخرى, وهي العراقية, والشمالية, فتملك كل منهما أربعة معامل للسمنت, لكن أولاهما, تملك معملا واحد في الخدمة فقط, والأخرى, يملكها الإرهابيون حاليا!؟
قيل الكثير عن مبالغ مليارية دفعت, لأجل الحصول على منصب المدير العام, للشركة الجديدة, وقيل أكثر عن تبريرات تتعلق بالطائفية والمحاصصة, لكن ما لم يقال, أنها سرقة في وضح النهار.. نعم فقد سرقت النجف الأشرف والسماوة وبابل والبصرة, إضافة لما يسرق منها يوميا, فقد كانت تلك المحافظات, وهي التي تقع فيها معامل السمنت الجنوبية الثمانية, وتلك المدن كانت تعتمد على تلك المعامل, في إدارة جزء من اقتصادها, وتوفير مواردها, من خلال موظفيها, لكن الأهم أن أرباح تلك الشركة, كانت تخصص لتطوير معامل الشركة واستمرارها, وخصوصا إن علمنا أن تلك المعامل بنيت منذ السبعينات والثمانينات.
كان دمج الشركات الخاسرة معا, خطوة صحيحة, أما أن تدمج معهم شركة كانت, على أبواب النهوض, وتحقيق التعادل المالي, والاكتفاء الذاتي, وتوفر رواتب موظفيها, وتنجح في تأهيل معاملها, فهي خطوة أقل ما يقال عنها, أنها حمقاء.
قيل قديما, أننا يجب أن نأخذ تصرفات الأخرين, بحسن النية, ونحملها على سبعين محمل, لكن ما حصل من سرقة للسمنت الجنوبية, ومعاملها, والمحافظات التي تقع فيها تلك المحافظات, وما سرب عن مبالغ دفعت, لأشخاص نافذين, ولجان اقتصادية لأحزاب, يجعل من المستحيل علينا, أن نفكر بحسن نية, في هذه السرقة.
https://telegram.me/buratha