===========
مدخل
===========
استمرارا لمقالاتنا عن الضوابط التي تعزز الاستقرار الامني , سنتناول في حلقتنا هذه الطرق الكفيلة بتناغم عمل الاجهزة الامنية من خلال تقسيم مهامها الهجومية والدفاعية والوقائية , لما لذلك من دور جوهري في فك الاشتباك والتشويش الحاصل بين تلك الاجهزة , الامر الذي تضيع معه القدرة على تحديد المسؤولية والاهم من
ذلك هو الضررالذي يترتب على تشابك الواجبات.
=========
فوضى
=========
ادت عدة عوامل امنية وسياسية (وحتى مصالح ضيقة احيانا ) الى ان تتضخم بعض الاجهزة الامنية وبالاخص في وزارة الداخلية , حتى غدت عندنا هي الاضخم والاكبر والاكثر تنوعاً بالمهام في العالم ويكفي للتدليل على ذلك النظر الى حجم قوات الالوية الاتحادية وقوات حمايات المنشآت وغيرها . ولم يقف الامر على تضخم الاعداد, ولكنه وصل احيانا الى تكرار الاجهزة ذاتها دون مبررات منطقية , كما في مديرية الامن الاقتصادي الموجود في الداخلية وجهاز الامن الوطني , والاخير بقيت الحكومات تتخبط في مستوياته ومسمياته , من وزارة تم التنازع على ان تكون وزارة دولة او وزارة فاعلة , حتى وصل الامر به الى مسمى جهاز الامن الوطني التابع لرئاسة الوزراء .
واستمر التداخل في المهام الامنية الدفاعية والهجومية والوقائية بين مختلف الاجهزة والوزارات الامنية , فصار الجميع يقاتل والجميع يدافع والجميع يستخبر , فصار الجميع يستنسخون مهامهم بفوضى ادت الى تداخلات وتناقضات لابد من فك اشتباكها لاسيما مع الهجمة الارهابية الشرسة التي تحتم علينا حل اكبر مشكلة في العراق وهي تداخل المهام .
ففي مجال الاستخبارات تجد ان كافة الاذرع الاستخبارية في الدفاع والداخلية والامن الوطني والمخابرات وجهاز مكافحة الارهاب , كلها تجيبك انها تستهدف الاستخبار عن الارهاب , وفي مسك الارض تجد ان الجميع يمسك الارض ويقيم السيطرات ويتواجد في سواتر الجبهة وفي المدن الامنة منها والقلقة على حد سواء, وفي المعارك تجد ان الجميع يقاتل, وهو امر بالغ التعقيد ويحتاج الى ان يقام وفق اسس علمية تحدد مهمة كل جهاز امني نوعيا وجغرافياً , لاسيما بعد ان اضيفت الى تلك الاجهزة قوات الحشد الشعبي التي تطوعت للدفاع عن العراق وفق فتاوى الجهاد الكفائي , والتي تم تقنين وضعها , ضمن التبعية, للقيادة العامة للقوات المسلحة .
===========
تحديد التحديات
===========
في كل العالم , في المدن الامنة والآهلة بالسكان , فان التصدي لاية مشكلة يتم من خلال قوات الشرطة بمختلف مسمياتها من نجدة الى مرور الى مكافحة اجرام وغيرها , فان كانت المهمة تحتاج الى تعزيز اكبر فتتم الاستعانة بقوات النخبة من الشرطة ايا كان مسماها (سوات وغيرها) فان كان حجم المشكلة مستعص ويتطلب قوة كبيرة فحينها يتدخل الجيش بما يشبه (آخر الدواء الكي),وهذا النوع من التدخل يكون محدوداً برقعة جغرافية وزمن قصير . الا ان الامر في العراق يبدو مختلفاً , فانت تجد قوات تابعة للداخلية تقاتل في الجبهة , فيما تجد قوات عسكرية تابعة للجيش تنحصر مهامها بداخل المدن تمسك الارض , وهو امر غريب , ومثالنا هنا , ان ثلاث فرق عسكرية ممسكة باطراف بغداد لحماية العاصمة , فيما تقاتل قواتنا الشرطوية في الانبار وصلاح الدين , وهذا خلاف العلم العسكري.
وذات الامر ينطبق على العمل الاستخباري , فنلاحظ ان خطوط العمل تتشابك بين استخبارات الداخلية والدفاع والمخابرات والامن الوطني , دون تقسيم للمهام يحدد العدو من حيث نوعه وتواجده الجغرافي وطبيعة مهامه , فالاستخبار عن الخلايا النائمة للارهاب في المدن الامنة المستقرة , يختلف عن الاستخبار عن قوى الارهاب المسيطرة على مدينة خارج السيطرة كالموصل , ويختلف عن الاستخبار عن التحركات الارهابية شبه السرية في المحافظات القلقة كالمنطقة الغربية الحاضنة .
================
الامن والجغرافيا العسكرية
================
ينقسم العراق (شئنا ام ابينا ) الى مدن ومحافظات آمنة من السيطرة الارهابية وفي ذات الوقت طاردة للارهاب , ومدن ومحافظات غير آمنة وحاضنة للارهاب واصبحت لاحقاً محتلة من قبله وخارج سيطرة الدولة .
ووفق هذا التقسيم الجغرافي المؤلم والواقعي , لابد ان تختلف طبيعة القوى الامنية التي تتواجد في كل قسم , كما تختلف طبيعة المهام الامنية ايضاً , فحين نتكلم عن المدن الامنة الطاردة وهي تسع محافظات , يجب ان توكل كافة المهام الامنية فيها الى وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني , سواء كانت مهام استخبارية تبحث عن الخلايا النائمة او في مجال السيطرات وكل مايتعلق بالارهاب والجريمة والدوائر الشرطوية , وان لاتخضع مثل هذه المحافظات لقيادات العمليات العسكرية كما هو حاصل . اما المناطق غير
الامنة القتالية فيجب ان تكون المهام فيها مناطة بالجيش ويكون ظهيره الحشد الشعبي , لانه مكانهم الطبيعي لصق العدو المدجج بالسلاح
ان توزيع المهام بشكل منطقي , يؤدي لتوزيع الجهد بكل انواعه استخباري والتسليحي واللوجستي. اما من المهام
الاستخبارية للمناطق غير الامنة فانها تقسم الى قسمين يتوزعان بين استخبارات الدفاع وجهاز المخابرات الوطني كما سنبين .
=============
معلومات سياحية
=============
قلنا ان المهام الاستخبارية في المدن الامنة هي من مسؤولية وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني , ومهمتها متابعة الخلايا الارهابية واحباط مخططاتها , ولكن السؤال الهام هنا : ماذا عن المناطق غير الامنة والتي هي خارج سيطرة الدولة كالموصل والفلوجة وغيرها من المناطق ؟
علينا ان نعترف مقدما , ان معلومات اجهزتنا الاستخبارية عن المناطق التي تدنسها داعش هي معلومات سياحية , نستقي معظمها من الاشاعات ووسائل الاعلام العالمية وماتنشره المواقع الارهابية ذاتها .
والاخطر من ذلك ان المهام الاستخبارية في مناطق محتلة او خارج السيطرة يجب ان لاتقتصر على الاستخبار والمعلومات , ولكنها تتعداها الى المهام الهجومية الاستخبارية , كالاغتيالات لقادة الارهاب والتخريب والتهديف للطائرات القاصفة والمسيرة و الاشاعات والحرب النفسية والاعلامية , واذكاء روح المقاومة الشعبية في اوساط الاهالي في المدن المحتلة , الا اننا للاسف لم نفعل اي شيء في هذا الاتجاه , بل اننا لم نحدد الجهة التي يجب ان تتولى تلك المهام .
=============
خلف خطوط العدو
=============
بلا ادنى شك فإننا في الواقع السياسي والدبلوماسي والوطني الجماهيري لا ولن نعترف بشيء اسمه دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام , الا اننا في العمل الاستخباري نعمل وفق واقع الحال . وواقع الحال يحدد لنا مناطق جغرافية محددة كالموصل , هي خارج اطار الدولة بكل مؤسساتها, وهي محكومة من قبل عدو , ومن هنا فان علينا ان نتعامل استخبارياً معها كما لو كنا نحارب دولة , اي ان نعتبر اننا نستخبر ونخطط لعدو خارج الحدود . ومن هنا نستطيع ان نحدد الجهة المسؤولة عن الجهد الاستخباري , وهي هنا جهاز المخابرات الوطني , لاسيما وان الكثير من مقاتلي العدو هم من الاجانب , وان دولتهم المزعومة متصلة فعلاً ببلد اخر (من خلال اتصالها ببعض المدن السورية كالرقة وغيرها ).وعلينا هنا ان نعلم ان لجهاز المخابرات ان يقوم باعمال كثيرة وجسيمة وعلينا ان ندعمها لانها تنخر بقوة الارهاب وتثير الذعر في صفوفه , الامر الذي سيجعل الانتصار على داعش ممكناً من خلال زعزعة استقرار قيادة الارهاب وفي تشتيت جهودهم .
فالعمل في عمق خطوط العدو يأتي بنتائج باهرة ان تم التخطيط السليم له , فلو ان طائرة رمت مناشير بعشرات الالوف على مواطني الموصل , فانها لاتعادل رعب الارهابيين لو انهم وجدوا في صبيحة الغد شعارات تهاجمهم على الجدران , لانهم حينها سيفقدون نعمة الامان التي يستشعرونها في الموصل . ولمن لايعرف , فان الارهابيين يشعرون (للاسف ) في الموصل بمنتهى الامان , حتى ان قادمون من هناك اشاروا الى ان لاتوجد ولاسيطرة اودورية واحدة في شوارع الموصل , بل ان الموصل قد امتلئت مؤخراً بسيارات تحمل ارقام الانبار (الامر الذي يدل على ان الارهابيين قد ابعدوا عوائلهم عن معارك الانبار الى الموصل (الامنة !!!),وللاسف لم يتم استغلال وضع الموصل المستقر , للدفع برجال المخابرات للقيام باعمال الاغتيال لعناصر داعش , ولبث الاشاعات من خلال اجهزة اف ام كاذاعات متنقلة لنشر اخبار فيها عن انتكاسات داعش , وقوائم باسماء المتعاونين وتهديدهم بالعقاب .
كما ان بامكان عناصر المخابرات الوصول الى عمق داعش في داخل سوريا ورصد تحركات الارهابيين , واقامة شبكات من المتعاونين بمختلف الاغراءآت لغرض القيام بمهمات تشعر الدواعش ان الخطر محدق بهم من كل جانب , الامر الذي سيدفعهم الى التشتت في التركيز على جبهة واحدة دون سواها واشغال بعض من قواتهم لداخل الموصل بدلاً عن دفعهم لمقاتلة قواتنا . اما الاستخبارات
العسكرية , فلها بالتأكيد دورها في التركيز على المعلومات العسكرية وخطط داعش الهجومية والدفاعية والمعلومات العسكرية في الجبهات , وبذلك سيكون لدينا نوعان من المهام الاستخبارية , منها ماهو هجومي مختص بالحرب النفسية واعمال التخريب , ومنها ماهو دفاعي مختص بجمع المعلومات العسكرية.
===========
مشاكل الارتباط
===========
هنالك مشكلة اخرى من نوع ثان علينا ان نتنبه لها وهي مشكلة الارتباط العسكري والامني ,فبالنسبة لوزارة الداخلية , هنالك مشكلة جوهرية في المركزية الادارية التي تسببت في بيروقراطية وشلل وتناقض في الكثير من المفاصل . فكافة الاعمال الشرطوية والامنية والادارية الخاصة بالمواطنين في المحافظات تم ربطها بمركزية شديدة بوكلاء وزارة الداخلية , على حساب تهميش قادة الشرطة في المحافظات , فلايستطيع قائد الشرطة في محافظة البصرة مثلاً ان يشرف على عمل الجنسية والجوازات , لانهم مرتبطون مباشرة باحد وكلاء الداخلية , وقس على باقي المديريات في المحافظة , وهو امر شاذ اضعف التنسيق وزاد من تعقيدات الاجراءات الشرطوية والامنية , وزاد الامر تعقيداً ارتباط الجميع في المحافظات بقيادة العمليات المناطقية , مما ادى الى تكبيل دور قيادات الشرطة لصالح انفلات الامن في الكثير من المحافظات .والامر ذاته ينطبق على الجيش , فقيادات الفرق مرتبطة بنظام عسكري اثبت فشله وهو الارتباط بقيادة العمليات المناطقية , مما ادى الى مشاكل لاتحصى في التنسيق , واضعف القدرة على تركيز القوات فقيادات الفرق مرتبطة بقيادات عمليات, مما ادى الى ارباك حدود تنسيق الواجبات , وصعّب القيام بعمليه التنظيم والتدريب والتجهيز والتسليح وضبط الاختصاصات
ان على وزارة الدفاع الاسراع بعمل الاصلاحات الضرورية لتقليص سلسله الارتباط , بين القوه العاملة التي تبدأ من الفصيل وصولاً الى الفرقة العسكرية , والقوه العاقله المتمثلة بقيادة العمليات فالقوة البرية فوزارة الدفاع , وهي حلقة طويلة تربك العمل العسكري وتحكمه بسلسلة مراجع طويلة , لان الامر يعني ان هنالك 17 فرقه وتفرعاتها تجب ادارتها من بغداد مركزياً اثناء المعركة, وهو امر مرهق ومبعثر للجهد والاوامر , ويخلو من المرونة المطلوبة وفق متغيرات المعارك. ونرى ان
الامر الافضل والامثل يكمن في الغاء قيادة العمليات وقياده القوه البرية, والذهاب لتشكيل الفيالق , فتكون القوة العاقلة والمخططة قريبة من قطعاتها, فيذهب فيلق الى الموصل واخر الى كركوك وثالث الى ديالى وتكريت ورابع الى الانبار, وترتبط الفيالق برئاسة اركان الجيش , وحينها سنضمن ان تكون الاوامر مرنة وبأعلى الجهوزية .
=========
خلاصة
=========
ان فرز المهام يجعل كل قائد يعمل ضمن وظائفه ووصفه الوظيفي فلا يمكن ان يقاتل الجميع ويدافع الجميع ويفرض الامن من قبل الجميع ويستخبر الجميع وينتشر ويمسك الارض الجميع, فتحقيق الامن نظرية علمية متكاملة, نحتاج بناء موسساتها بشكل صحيح ومهني وتحديد الغاية والهدف وتخصيص الامكانيات اللازمة. والله الموفق
https://telegram.me/buratha