كلنا يبحث عن نموذج مثالي, يحاول أن يعيشه, أو يحصل عليه من غيرنا, حتى لو من دون استحقاق.. هكذا هي طبيعتنا. الإقتراب من المثالية, والعمل للوصول إليها شيء جميل, بل ومن ضروريات الحياة, وإلا فما قيمة الإنسان, أن عاش بدون مقاييس , أو ضوابط تحكم حياته؟! وما هو إختلافه عن المخلوقات الأدنى منه؟! خطورة أي قضية, إزدواجية التعامل معها, فنطالب الأخرين بما لا نطلبه من أنفسنا, ونطبق عليهم شرائع الدنيا وقوانينها, بل ونضيف لها الأعراف والتقاليد التي نراها صحيحة,
ونحدد الصواب من الخطأ, وما يقبله العقل وما لا يقبله, ونضع أنفسنا مقياسا للأخرين؟! يصف مختصون, العمل السياسي, بأنه فن الممكن, ووصفه أخرون بعمل, يعتمد المصالح بلا مبادئ, ولا حدود شرعية, وقال أخرون بأنه علم العلاقات الدولية, والمصالح المتبادلة بين الأمم.. لكن الجمهور, يحصر فكرته عن العمل السياسي, بما يشوبه من فساد وإنحراف وفضائح بأشكالها.. على الأقل في نموذجنا العراقي. رغم أن تلك الصورة سوداوية, وليست عادلة أو موضوعية, لكنها مقبولة إجتماعيا.. فمن المعروف أن منطق” الخير يخصص, والشر يعمم” هو شكل واقعي, لما يمكن أن تراه العين, ويفهمه العقل, على الأقل لمن لا يملك عمقا ثقافيا, أو معرفة بخفايا الأمور. هناك من يرى, أن المشاركة بالسياسة خطأ, لأنها أصلا دون فائدة, لفساد المنظومة وأنهم أنفسهم يتكررون, بطريقة أو أخرى, والجهات نفسها ولو تبدل ثوبها فقط.. فيما يرى أخرون المشاركة , ولو من خلال عملية التصويت, أو محاربة الجهات المفسدة, هو الطريق الصحيح, بل الأوحد لإصلاح تلك المنظومة, لعدم توفر بديل لها, في قيادة المجتمع والحياة العامة للأفراد, على الأقل في المدى المنظور. أكثر من يتعرض للتجريح, هم ساسة الشيعة,
فيُقارنون بالسيرة المثالية, لأهل البيت عليهم السلام , وحياة الزهد والتواضع, التي يعيشها مراجعهم, وهي مقارنة مرتبطة, بما رسخ في أذهان عامة الشيعة, مما تواتر من احاديث السير, التي تروى جيلا بعد جيل على المنابر, عن حياة مثالية عاشها, أل بيت النبي, عليه وأله أفضل الصلوات.. ومشاهدة عينية, لحياة بسيطة, وملتزمة بنفس السيرة, لمراجعهم الذين يتبعونهم. تلك المقارنة, أن كانت للإنسان نفسه, لغرض الارتقاء الشخصي, فهي عملية مطلوبة دوما, لكن بما يخص الأخرين, فيجب أن تكون واقعية, بمعنى أن نطالبهم, بالسير على خطى أهل البيت, لكن من غير الواقعي, أن نطالبهم, بأن يكونوا نسخا منهم, فلا يوجد من يمكن أن يوفق إلى هذه الدرجة. يروى أن الإمام السجاد, عليه وأله أفضل الصلوات, وعندما سال عن بعض أحواله, ولما لا يفعل كما جده أمير المؤمنين, قال “ومن يقوى على عبادة علي أبن أبي طالب”.
https://telegram.me/buratha