بليغ والصيادي:هما إسما علم، يشير كل منهما إلى موقف، وفكرة، ورأي، قبل أن يشيرا إلى شخوص أو رموز أو توجهات، وبتجرد أقول.
عجزتُ وأنا أحاول جهدي مقارنةً بينهما، وأُسقط في يدي أن ألحظ مقاربة فيهما.. سوى إن يكونا إناءين قد إمتلئا حد الفيض، ونضحا حد الغيض، فكان فيض أولهما: بلاغةً، ووطنيةً، وشرفاً، وإيثاراً، ودعوةً لحقٍ طالما غابَ عن ضمائرِ الفاسدين، وهدفيةٍ شريفةٍ لبناء وطن.
فيما نضح ثانيهما: لصوصيةً، وخسةً، وغدراً، وتطاولاً فاضحاً على كل حقٍ، وشذوذاً واضحاً عن سبيل لكل صدق. فكان من البديهي أن يكون بينهما برزخا من النفور، فهذا عذب فرات، وذلك ملح أجاج( فكل إناء بالذي فيه ينضح).
حاضر الإثنان، كما تأريخهما، فإنهما يميلان إلى التوازي منهما إلى أن يتقاطعا، إذ ليس من قواسم مشتركة، ولا صفات متشابهة، ولا طباع متطابقة.
الحاضر يشهد لبليغ، بالنبوغ، وللآخر بالسطحية، ويقر له بالتفوق، ولخصمه بضحالة الفكر، ولأبو كلل بالوطنية، وللصيادي بالمصلحية، ولهذا بالثبات والمبدئية، ولذاك بالتأرجح والزئبقية، فلا مندوحة عن خلاف طباعهما، ولا دلالة على تشابه سجاياهما.
كان قد أعطى كل منهما ما لديه، فقد أعطى أبو كلل: شهامةً وفروسيةً ونبلاً، فيما أعطى الصيادي: خيانةً ولصوصيةً وغدراً، ولم يكن بمقدور كليهما إلا أن يعطيا ما أعطوا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
دخل كل منهما متسلحاً، نعم، فليس بمقدور أحد أن يجترأ على إنكار ذلك، إذ كان السلاح الأقوى في حوزة أبو كلل، وهو: أحقية الكلمة، وبلوغ الحجة، وسداد الرأي، وشرفية المرجع والإنتماء، فيما كان السلاح الأسرع لدى خصمه الصيادي، وهو: الصوت العالي، والطبل الأجوف، ورماة مرتزقة، وتبعية لقيادة قد عاثت ظلماً وجوراً وفساداً.
لذلك لم يكن بالإمكان غير الذي كان من بليغ، والذي كان من النائب الصيادي، كونه لا يعدو أن يكون صراع مبادئ، ونزاع خلق، ومزاحمة وجود، وإمتداداً أزلياً لمعركة الحق مع الباطل الزهوق دائماً وأبداً.
عندما تقف كلمة الحق بوجه الرصاص، فإنك تسمع لها دوياً، يعلوا على أزير إنطلاقه، وتأخذ لها حيزاً أبعد من حدود غدره، وشذوذ آفاقه.
https://telegram.me/buratha