هنالك علاقة جدلية بين الإنسان والطين،فالأول مدين للثاني لأنه سبب وجوده على الأرض،ولعل حادثة اختلاف إبليس مع الباري عندما أمره بالسجود لأدم،فقال :إنا لا أسجد له فهو من الطين وأنا من النار،فاعترض وطرد من الجنة,وعندما أتحدث عن الحجارة لاأعني فوضى الحجارة المتناثرة هنا وهناك ,والتي ليست لها أي مدلول وعنوان للقيمة التي تحملها،أوتلك القطع الصغيرة التي تستخدم في ضرب الانسان ورجمه بها حتى يصل للموت باعتبارها احدى فنون التعذيب،وبأيادي الأطفال لترويضهم على هذه الفلسفة بطريقة بدائية أكثر شراسة،لكسر حاجز الخوف لديهم وتسليحهم بثقافة الإقصاء الجسدي،أنما أعني بالتحديد آثار الانسان التي صنعها منذ بدأ الخلق وكيف كان يقتل أخيه الإنسان،ومروراً بتطور مراحل النمو وتكوين الحياة المدنية فالإنسان هو سيد المخلوقات على هذه الارض،
فهو الذي يعمر ويبني ويقيم الإمبراطوريات وكلاً حسب رؤيته بما يصنع سواء كان سعيه للخير او للشر,فمن الطين صنع التاريخ نفسه بالأثارالني تجسد وترجم مسيرة الامم والشعوب وسجل أعمال الصالحين والطغاة الجبابرة،ولولا الآثار لما تعرفنا على حضارات الامم وثقافاتهم وماذا صنعت وكيف كانت تعيش،وتدير وتدبرامورها في بناء الحكومات،كما ان كل أمة لها أرثها التاريخي من الاثار والمخطوطات وأللقى والنفائس الثمينة،تضعها في متحف وطني لتعكس صورة أن لديها ماضي وانها ليست مقطوعة الجذور وحديثة التكوين،كما ان لله حكمة بأن خلق الانسان من التراب ومن ثم يرجع اليها وكأنها محطة الانتظار التي ستقله لموطنه الذي يعود اليه بعد برهة من الزمن والتعب والألآم والصراع المريرمن اجل تحقيق الذات والطموح ,وعند دخول القوات الأمريكية المحتلة للعراق وتحديداً المنطقة التي يوجد فيها المتحف في بغداد ،شاهدة من قريب الدبابات العملاقة تحيط بالمتحف من كل حدباً وصوب ومن ثم دخول مجموعة أشخاص دون خوف اقتحموا المكان بعلمهم ,سرقوا ونهبوا آثار ولقى لها علاقة وطيدة بتاريخ العراق وحصراً الحضارات الأولى والديانات السماوية اليهودية والمسيحية ,
كان هذا في اليوم الاول من سقوط النظام،والمعنى في قلب الشاعر،وتركوا البسيط المتبقي لقطاع الطرق والسارقين أسوة بما جرى من نهب وسلب وحرق للوزارات والمؤسسات حتى يفسر الأمر أن الشعب هو من سرق آثاره ,وإعطاء صورة سوداء عن سلوكيات المجتمع,وما يؤكد كلامي هو بعد اسبوع واحد من السقوط وصلت هذه الاثار الى المتاحف العالمية ومراكز البيع (المزادات )عن طريق عصابات عالمية تعمل بشكل منظم مرتبطة بمافيات تمتد جذورها لأبعد نقطة يصعب علينا تصورها،وجرت هنالك محاولات حثيثة وخطوات ملموسة لأسترجاع عدد كبير منها عن طريق القنوات الدبلوماسية ،ومن خلال الشرطة الدولية (الانتربول) المسئولة عن الذين يسرقون الاثار وبمساعدة منظمة اليونسكو للتربية والتعليم والثقافة،وفعلاً استرجع الكثير ...الكثير منها،لكننا فقدنا الأهم من هذا كله هو سرقة قيم الانسان ومعاييره التي يتعامل بها مع المجتمع ... قيم الصدق والوفاء والأمانة والنزاهة ,
هنالك تصور لدى العراقي الفرد مفاده أن ألذ أعدائه الوطن الذي يأخذ منه ولا يعطيه ،وتساءل مراراً ماهي الخطوات الواعدة التي تترجم على ارض الواقع لاسترجاع هوية المواطن ووطنيته ؟على الذين يصنعون القرارات السياسية والخدمية يجب ان يضعوا في الحسبان انها لاتكفي وحدها لبناء الدولة ,ما قيمة المشاريع الضخمة والاعمار دون ان تكون هنالك مشاريع لتأهيل وترميم ثقافة الإنسان؟،والقضاء على الأفكار الدخيلة التي سيطرة على سلوكياته لتقدم لنا فرد يخضع لانفعالات عديدة ترسم له ملامح شخصية مستقبلية تكون عرضة للانهزام وللانكسار أمام أي منعطف يعصف به ,وأتذكر قصيدة الطين لأيليا ابو ماضي:نسي الطين ســاعةً أنه طيــــــنٌ حقيــرٌ فصــالَ تيــهـاً و عــــــربــد ,و كسا الخزُّ جســمه فتبــاهى و حـــــوى المــالَ كـيسُـــهُ فتمــــرّد,أأمانـــيّ كلهــــــا من تـــــــــرابٍ و أمانيـــــكَ كلـــهـــا مــن عسجــــد؟ أأمانــــي كلهــــا للتـــــــلاشـــي و أمــــانيــــك للخــــلــــود المؤكــّد؟
https://telegram.me/buratha