مدخل
================
كما تحدثنا في حلقات سابقة ضمن محاور البنى التحتية في المؤسسة العسكرية , في توافر العوامل المتينة العملية و الموضوعية لنجاح اية مؤسسة اقتصادية مرتبطة بالمؤسسات العسكرية والامنية , وقلنا ان احد اهم العوامل هو وجود الزبائن لتلك المؤسسات .
وتحدثنا عن الامكانيات الواعدة لبناء المصانع العسكرية التي سيكون لها الاثر الفعال في تحريك عجلة الاقتصاد العراقي في عدة مجالات اهمها تنشيط غير مسبوق لعجلة الاستثمار , والقضاء على البطالة والحفاظ على العملة الصعبة وصولاً الى عبور الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير .
ولنا هنا ان نضيف عاملاً اضافيا مهما في مجال آخر هو عامل الانتاج المزدوج الجامع بين ماهو عسكري وماهو مدني , وهو مانعني به في مجال الصناعات المدنية للمؤسسات العسكرية .
===============
الاستخدام المزدوج
===============
نستطيع القول بان مامن مصانع عسكرية صرفة لاتستطيع ان تنتج منتجات مدنية , ولكن الامر هنا يتوقف على اعتبارات حالة البلاد واستقرارها .
فكافة المعامل والمصانع العسكرية (حتى تلك المتخصصة بصناعات حربية صرفة) تستطيع في اوقات معينة ان تحيل بعضاً من خطوط انتاجها الى انتاج مدني .
بل ان الكثير من المصانع العسكرية المقترحة التي سبق ان ذكرناها في مقالنا السابق , يسهل ان تنتج بشكل دائمي سلس منتجات مدنية تدعم الاقتصاد الوطني , فمعامل الخياطة التي تنتج البدلات العسكرية تستطيع بسهولة ان تضاعف زبائنها الى عدة ملايين اخرى من المستهلكين ,حين تنتج ملابس مدنية , والمعامل التي تنتج الارزاق الجافة للجندي والتي تشمل البسكويت والمعلبات بانواعها , فانها تستطيع ان تطور منتجاتها لتشمل اذواق الزبائن المدنيين وتتوسع بانتاجها لانواع لاحصر لها للمنتجات الغذائية , فتكسب بذلك اسواقا جديدة لاحصر لها .
والامر لايقتصر على الانتاج السهل بل يتعداه الى اعقد الصناعات , فالمصنع المختص بتدريع العربات المدرعة لايعجز عن متطلبات تدريع سيارات مدنية , وكذا الامر بالمصنع الذي ينتج سيارات واليات عسكرية (سواء كانت صناعات متكاملة او تجميعاً)فانه يستطيع ان يتولى صناعة او تجميع سيارات مدنية , والمصنع المختص بانتاج البنادق العسكرية فانه لايعجز عن انتاج بنادق الصيد , وهكذا في باقي الصناعات .
==============
افاق مفتوحة
==============
ومما لاشك فيه ان هنالك فوائد مرجوّه لاحصر لها من خلال الانتاج المدني للمصانع العسكرية المقترحة , ومن تلك الفوائد الواضحة هي مضاعفة الانتاج نتيجة مضاعفة اعداد الزبائن المستهدفين في كافة المجالات .
وممالاشك فيه , فان الزبائن المدنيين هم زبائن مربحين دوماً , فخطوط الانتاج الحربي قد يقتصر دورها احيانا على توفير العملة الصعبة وتشغيل الايدي العاملة , باعتبار ان طبيعة المنتج عسكري صرف ليس للبيع المحلي كالعتاد الحربي والبنادق والاليات العسكرية التي لايدفع الجندي ثمن استعمالها واستهلاكها , ولكن الامر يختلف في المنتج المدني , حيث يدفع الزبون قيمته كاملة , سواء نقدا او بنظام القسط (وبالامكان هنا ان يكون للمصارف العسكرية التي نوهنا عنها في حلقات سابقة دورا جوهريا في طرق السداد), ومن هنا سيكون للانتاج المدني للمصانع العسكرية ان يسدد فاتورة خطوط الانتاج العسكري المكلفة ويحيل المصنع العسكري الى مؤسسة ربحية .
كما ان من الفوائد المتوخاة , اتساع افاق الصناعات العسكرية لتصل الى تخوم انتاج الخامات التي تحتاجها تلك الصناعات , فمصنع المعلبات العسكرية المختص بالصناعات الجافة سيتوجه (نتيجة وجود ملايين الزبائن العسكريين والمدنيين ) الى استصلاح اراض وزراعتها لانتاج محاصيل يتولى تعبئتها , وانشاء حقول للدواجن وللابقار لانتاج اللحوم والالبان ومن ثم تعليبها للمؤسسة العسكرية والاسواق المدنية , وهكذا الامر في معامل الخيم والملابس وورش الحدادة ومعامل النجارة وغيرها .
بل ان بامكان المؤسسة العسكرية ان تتولى بناء مصانع ربحية لاحصر لها من ذوات الانتاج المدني كمعامل الصناعات الالكترونية والاثاث ومعامل الطابوق وغيرها , فلهذه المصانع امكانية توفير الكثير من حاجات افراد المؤسسات العسكرية المنزلية باقساط شهرية بضمان مرتباتهم , وكذا منافسة السوق المدني بمنتجات ذات جودة عالية .
كما ان من الفوائد المتوخاة من استهداف السوق المحلية , المساهمة في وقف نزيف العملة الصعبة التي يستهلكها التجار في استيرادهم للكثير من الاجهزة والمنتجات الاجنبية (وهي رديئة في الكثير من مفرداتها لكونها بلا منافسة), وفي ذات الوقت فان تنافس المنتجات المحلية الجيدة سيوقف جشع التجار من خلال التنافس في الاسعار والجودة .
ناهيك عن ان المنتجات العسكرية ذات الطابع المدني (كصناعة السيارات مثلاً) سيتيح للجندي ولرجل المؤسسة الامنية دافعاً كبيرا في الانتماء للمؤسسة العسكرية التي ستوفر له قبل غيره امكانية الحصول على الكثير من المنتجات من مؤسسته بالقسط المريح , فيستطيع ان يمتلك سيارة واجهزة منزلية واثاث منزلي ومواد بناء باسعار تنافسية وبهامش ربحي بسيط وباقساط مريحة من مرتبه .
=====================
مميزات الصناعات المدنية (العسكرية)
=====================
يلاحظ القاريء اننا افترضنا في مقالنا دوما بجودة الصناعات العسكرية وقدرتها على المنافسة نوعا ً وسعراً .
والامر كذلك فعلاً واثبتته الكثير من تجارب العالم الثالث في مصر وايران والكثير من الدول الاسيوية , ويصح تماما في العراق ايضاً .
ويعود السبب الى طبيعة المؤسسة العسكرية , فالنظام العسكري بطبيعته نظام انضباطي هرمي , يكون فيه هامش الفوضى والتسيب في اقل صوره , كما ان الصناعات العسكرية هي دوماً صناعات تكون فيها الجودة مطلوبة لان روح الجندي في المعركة متعلقة بتلك الجودة سواء بجودة السلاح او بسلامة الغذاء او بقوة التدريع وغير ذلك , وبالتالي , يكون السائد في الصناعات العسكرية هي الجودة والاتقان , بالاضافة الى ان العسكري يفضل العمل في المصانع على العمل العسكري المتّصف بالخشونة , لذا فانه يقدم افضل مالديه لضمان بقاءه في المصنع (ولدينا شواهد كثيرة من تجربة التصنيع العسكري برغم ملاحظاتنا الكثيرة على الطبيعة الدكتاتورية لنظام صدام الطاغية ),ناهيك عن ان الانتاج بالعملة المحلية سيكون له قدرة سعرية تنافسية في السوق المحلية , وينتج من ذلك صناعة جيدة وزبائن محتملين واسعار تنافسية ومجالات لاحصر لها في الصناعات وفي توجه المستثمرين الى استثمار اموالهم في مجالات مضمونة , وتحريك كبير في عجلة الاقتصاد العراقي , ومن الله التوفيق.
https://telegram.me/buratha