سنتحدّث عن أغتيال الإمام الجواد عليه السلام، ما كتبهُ ونقلهُ لنا من مصادر التاريخ، الشيخ والمحقق الكبير، باقر شريف القرشي( طاب ثراه)، في كتابه( حياة الأمام محمد الجواد)عليه السلام، يقول الشيخ:
(قبل أن أبدأ الحديث عن النهاية الأخيرة من حياة الإمام أبي جعفر الجواد عليه السلام، أقدّم عرضا موجزاً لسيرة المعتصم العبّاسي، الذي أغتال الإمام بالسمّ).
كان من صفات المعتصم الحماقة، وقد وصفه المؤرخون بأنّه إذا غضب لا يبالي من قتل ولا ما فعل، وهذا منتهى الحمق الذي هو من أرذل نزعات الإنسان، وكان المعتصم يكره العلم، ويبغض حملته وبقي أمّياً، وحينما ولي الخلافة كان لا يقرأ ولا يكتب، وكان له وزير عامّي،وقد وصفه أحمد بن عمّار بقوله:(خليفة أمّي، ووزير عامّي)،لقد كان عارياً من الفضل والعلم.
كان المعتصم شديد الكراهية والبغض للعرب، وقد بالغ في إذلالهم والاستهانة بهم، فقد أخرجهم من الديون وأسقط أسماءهم، ومنعهم من العطاء كما منعهم الولايات، وكان يكن في أعماق نفسه خالص الولاء والحب للأتراك، فقد أخذ يستعين بهم في بناء دولته، ويعود السبب في ذلك إلى أنّ أمّه(ماردة) كانت تركية، فكان يحكي الأتراك في طباعهم ونزعاتهم، وقد بعث في
طلبهم من فرغانة، واشروسنة واستكثر منهم.
بلغ عدد الأتراك في عهده سبعين ألفاً، وقد حرص المعتصم على أن يبقى دماؤهم متميزة، فجلب لهم نساء من جنسهم فزوّجهم بهنّ وقد أسند لهم قيادة الجيش، وجعل لهم مراكز في مجال السياسة والحرب، وحرم العرب ممّا كان لهم من قيادة الجيوش، وقد آثرهم على الفرس والعرب في كل شيء.
أترعت نفس المعتصم بالحقد والكراهية للإمام الجواد عليه السلام، فكان يتميّز من الغيظ حينما يسمع بفضائل الإمام ومآثره، وقد دفعه حسده له أن قدم على اغتياله.
من المؤسف حقّاً، أن تصدر الوشاية بالإمام أبي جعفر عليه السلام، من أبي داود السجستاني، الذي كان من أعلام ذلك العصر، أمّا السبب في ذلك فيعود إلى حسده للإمام عليه السلام.
الحسد داء خبيث ألقى الناس في شر عظيم، لقد حقد أبو داود على الإمام أشد ما يكون الحقد، وذلك حينما أخذ المعتصم برأيه في مسألة فقهية وترك بقية آراء الفقهاء، فتميّز أبو داود غيضاً وغضباً على الإمام عليه السلام، وسعى إلى الوشاية به، وتدبير الحيلة في قتله.
في كيفية قتل الإمام عليه السلام، صرّحت بعض الروايات أن المعتصم أغرى بنت أخيه، زوجة الإمام أمّ الفضل بالأموال، فدّست إليه السمّ، وأثر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً، فقد تفاعل مع جميع أجزاء بدنه، وأخذ يعاني منه آلاماً مرهقة، فقد تقطّعت أمعاؤه من شدة الألم، وأخذت الآلام من الإمام مأخذاً عظيماً.
فقد كان في ريعانة الشباب وغضارة العمر، ولمّا أحس بدنو الأجل المحتوم منه، أخذ يقرأ سوراً من القرآن الكريم، وقد لفظ أنفاسه الأخيرة ولسانه يلهج بذكره تعالى وتوحيده، لقد أستشهد الإمام عليه السلام، على يد طاغية زمانه المعتصم العباسي، وقد أنطفت بموته شعلة مشرقة من الإمامة والقيادة الواعية المفكّرة في الإسلام، وأنطوت بموته صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية، التي أضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الأرض.
https://telegram.me/buratha